جَابِرٍ. وَحَجَّاجٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَنَّ أَحْمَدَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فِي الرَّفْعِ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي دَلِيلًا أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ وَقَّتَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَادِيثَ مِنْهَا: مَا هُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَمِنْهَا: مَا فِي إِسْنَادِهِ كَلَامٌ، وَبَعْضُهَا يُقَوِّي بَعْضًا.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ بَهْرَامَ الْمَدَائِنِيُّ، ثَنَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ أَفْلَحَ يَعْنِي: ابْنَ حُمَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» انْتَهَى مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ صَحِيحٌ كَمَا تَرَى ; لِأَنَّ طَبَقَتَهُ الْأُولَى هِشَامُ بْنُ بَهْرَامَ الْمَدَائِنِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَطَبَقَتَهُ الثَّانِيَةَ الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ الْأَزْدِيُّ الْفَهْمِيُّ أَبُو مَسْعُودٍ الْمَوْصِلِيُّ، وَهُوَ ثِقَةُ عَابِدٌ فَقِيهٌ. وَطَبَقَتَهُ الثَّالِثَةَ أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ الْمَدَنِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُقَالُ لَهُ: ابْنُ صُغَيْرَاءَ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَطَبَقَتَهُ الرَّابِعَةَ، وَالْخَامِسَةَ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَهَذَا إِسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ كَمَا تَرَى.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثْنَا أَبُو هَاشِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنِ الْمُعَافَى، عَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ: ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ: الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ: ذَاتَ عِرْقٍ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنًا، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمَ» ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ أَيْضًا ; لِأَنَّ طَبَقَتَهُ الْأُولَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ الْمَوْصِلِيُّ ; وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ، وَطَبَقَتَهُ الثَّانِيَةَ هِيَ أَبُو هَاشِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَسَدِيُّ، وَهُوَ ثِقَةٌ عَابِدٌ، وَبَاقِي الْإِسْنَادِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ الْآنَ فِي إِسْنَادِ أَبِي دَاوُدَ، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ الْآنَ، فَهَذَا الْإِسْنَادُ لَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ، وَمَتْنِهِ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِتَوْقِيتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَضْعِيفَ مَنْ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ بِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْكَرَ عَلَى أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ ذِكْرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِذَاتِ عِرْقٍ، وَأَنَّهُ انْفَرَدَ بِذَلِكَ غَيْرُ مُسْلِمٍ لِأَنَّ أَفْلَحَ بْنَ حُمَيْدٍ ثِقَةٌ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ، وَلَا يَضُرُّهُ انْفِرَادُ الْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ أَيْضًا لِأَنَّهُ ثِقَةٌ، وَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ غَرِيبٍ انْفَرَدَ بِهِ ثِقَةٌ، عَنْ ثِقَةٍ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي الْأُصُولِ، وَعِلْمِ الْحَدِيثِ. وَقَالَ الشَّيْخُ الذَّهَبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ فِي نَقْدِ الرِّجَالِ فِي تَرْجَمَةِ أَفْلَحَ بْنِ