النَّاسِ بَيْنَهُمَا» ، فِيهِ الْإِشَارَةُ الْكَافِيَةُ إِلَى حِكْمَةِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ; لِأَنَّ هَاجَرَ سَعَتْ بَيْنَهُمَا السَّعْيَ الْمَذْكُورَ، وَهِيَ فِي أَشَدِّ حَاجَةٍ، وَأَعْظَمِ فَاقَةٍ إِلَى رَبِّهَا، لِأَنَّ ثَمَرَةَ كَبِدِهَا، وَهُوَ وَلَدُهَا إِسْمَاعِيلُ تَنْظُرُهُ يَتَلَوَّى مِنَ الْعَطَشِ فِي بَلَدٍ لَا مَاءَ فِيهِ، وَلَا أَنِيسَ، وَهِيَ أَيْضًا فِي جُوعٍ، وَعَطَشٍ فِي غَايَةِ الِاضْطِرَارِ إِلَى خَالِقِهَا جَلَّ وَعَلَا، وَهِيَ مِنْ شِدَّةِ الْكَرْبِ تَصْعَدُ عَلَى هَذَا الْجَبَلِ فَإِذَا لَمْ تَرَ شَيْئًا جَرَتْ إِلَى الثَّانِي فَصَعِدَتْ عَلَيْهِ لِتَرَى أَحَدًا، فَأُمِرَ النَّاسُ بِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ لَيَشْعُرُوا بِأَنَّ حَاجَتَهُمْ وَفَقْرَهُمْ إِلَى خَالِقِهِمْ وَرَازِقِهِمْ كَحَاجَةِ وَفَقْرِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الضَّيِّقِ، وَالْكَرْبِ الْعَظِيمِ إِلَى خَالِقِهَا وَرَازِقِهَا، وَلِيَتَذَكَّرُوا أَنَّ مَنْ كَانَ يُطِيعُ اللَّهَ كَإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يُضَيِّعُهُ، وَلَا يُخَيِّبُ دُعَاءَهُ وَهَذِهِ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ظَاهِرَةٌ دَلَّ عَلَيْهَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي حَدِيثِ الْبَيْهَقِيِّ الْمَذْكُورِ حِكْمَةَ الرَّمْيِ أَيْضًا فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ حِكْمَةَ السَّعْيِ، وَالرَّمْيِ مَعْرُوفَةٌ ظَاهِرَةٌ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ فِي مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ

اعْلَمْ أَنَّ الْحَجَّ لَهُ مِيقَاتٌ زَمَانِيٌّ: وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ الْآيَةَ [2 \ 197] ، وَهِيَ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. وَقِيلَ: وَذُو الْحِجَّةِ مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى فَوَاتِ الْحَجِّ بِعَدَمِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَمِيقَاتٌ مَكَانِيٌّ، وَالْمَوَاقِيتُ الْمَكَانِيَّةُ خَمْسَةٌ ; أَرْبَعَةٌ مِنْهَا بِتَوْقِيتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِلَا خِلَافٍ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَاحِدٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ وَقَّتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ وَقَّتَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

أَمَّا الْأَرْبَعَةُ الْمَجْمَعُ عَلَى نَقْلِهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ: ذُو الْحُلَيْفَةِ، وَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْجُحْفَةُ وَهِيَ: مِيقَاتُ أَهْلِ الشَّامِ، وَقَرْنُ الْمَنَازِلِ وَهُوَ: مِيقَاتُ أَهْلِ نَجْدٍ، وَيَلَمْلَمُ وَهِيَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْيَمَنِ، أَخْرَجَ تَوْقِيتَ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ الْأَرْبَعَةِ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ عَنْهُمْ إِلَّا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْقِيتَ يَلَمْلَمَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ، بَلْ سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ، وَالِاحْتِجَاجُ بِمَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ مَعْرُوفٌ، أَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَوَاقِيتَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015