وَكَوْنُهُ بِفِعْلِ بَعْضٍ يَحْصُلُ ... لِعَاضِدِ النَّصِّ هُوَ الْمُعَوِّلُ
وَقِيلَ مَا فِي وَقْتِهِ أَدَاءُ ... وَمَا يَكُونُ خَارِجًا قَضَاءُ
وَالْوَقْتُ مَا قَدَّرَهُ مَنْ شَرَّعَا ... مِنْ زَمَنٍ مُضَيَّقًا مُوَسَّعَا
وَعَكْسُهُ الْقَضَا تَدَارُكًا لِمَا ... سَبَقَ الَّذِي أَوْجَبَهُ قَدْ عُلِمَا
وَقَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ الْقَضَا ; يَعْنِي: أَنَّ الْقَضَاءَ ضِدُّ الْأَدَاءِ.
وَبِمَا ذَكَرْنَا: تَعْلَمُ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ أَيَّامَ الرَّمْيِ كُلَّهَا كَالْيَوْمِ الْوَاحِدِ، وَأَنَّ مَنْ رَمَى عَنْ يَوْمٍ فِي الَّذِي بَعْدَهُ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِإِذْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرِّعَاءِ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ يَوْمٍ إِلَى يَوْمٍ آخَرَ إِلَّا لِعُذْرٍ، فَهُوَ وَقْتٌ لَهُ، وَلَكِنَّهُ كَالْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
أَمَّا رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ حُكْمَهُ مَعَ رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَوَاحِدٍ مِنْهَا، فَمَنْ أَخَّرَ رَمْيَهُ إِلَى يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَهُوَ كَمَنْ أَخَّرَ يَوْمًا مِنْهَا إِلَى يَوْمٍ، وَعَلَيْهِ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: هُوَ مُسْتَقِلٌّ بِوَقْتِهِ دُونَهَا لِأَنَّهُ يُخَالِفُهَا فِي الْوَقْتِ وَالْعَدَدِ ; لِأَنَّهَا جَمْرَةٌ وَاحِدَةٌ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ بِعَكْسِ ذَلِكَ وَلَهُ وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْفَرْعُ الرَّابِعُ: أَظْهَرُ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي أَنَّهُ إِنْ قَضَى رَمْيَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْهَا، يَنْوِي تَقْدِيمَ الرَّمْيِ عَنِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الثَّانِي، وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ رَمْيِ الثَّانِي بِالنِّيَّةِ ; لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَقْدِيمِ الْمُتَأَخِّرِ، وَتَأْخِيرِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إِلَى دَلِيلٍ كَمَا تَرَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِنْ نَوَى تَقْدِيمَ الثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ كَالْمُتَلَاعِبِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: يُجْزِئُهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الْفَرْعُ الْخَامِسُ: اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُوجِبُ تَرْكُهُ الدَّمَ مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ، فَذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ إِلَى أَنَّ مَنْ أَخَّرَ رَمْيَ حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنَ الْجِمَارِ إِلَى لَيْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَزِمَهُ الدَّمُ، وَمَا فَوْقَ الْحَصَاةِ أَحْرَى بِذَلِكَ، وَسَوَاءٌ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَرَمْيُ الثَّلَاثِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ تَوَقَّفَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ فِي كَوْنِ الرَّمْيِ لَيْلًا قَضَاءٌ يَتَوَقَّفُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ، إِنْ رَمَى لَيْلًا، وَلَكِنَّ مَشْهُورَ مَذْهَبِهِ: هُوَ أَنَّ اللَّيْلَ قَضَاءٌ كَمَا قَالَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَاللَّيْلُ قَضَاءٌ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: إِلَى أَنَّ الدَّمَ يَلْزَمُهُ بِتَرْكِ رَمْيِ الْجَمَرَاتِ كُلِّهَا، أَوْ رَمْيِ يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَهُمْ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَرَمْيُ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَرَمْيُ الْجَمِيعِ سَوَاءٌ عِنْدَهُمْ يَلْزَمُ فِي تَرْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا دَمٌ وَاحِدٌ، وَمَا هُوَ أَكْثَرُ