عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ رَمَى فِي وَقْتِ الرَّمْيِ، وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُهُ دَمٌ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ فَاتَهُ رَمْيٌ فِيهِ إِلَى الْغَدِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: بِتَعَدُّدِ الدِّمَاءِ كَالشَّافِعِيَّةِ، أَوْ دَمٌ وَاحِدٌ عَنِ الْيَوْمَيْنِ، عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: بِعَدَمِ التَّعَدُّدِ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: التَّحْقِيقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كَالْيَوْمِ الْوَاحِدِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّمْيِ، فَمَنْ رَمَى عَنْ يَوْمٍ مِنْهَا فِي يَوْمٍ آخَرَ مِنْهَا أَجْزَأَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُمَا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: هُوَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الْعَجْلَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ، أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا، وَيَدَعُوا يَوْمًا هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ، وَفِي لَفْظٍ: رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ عَنْ مِنًى، يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَاةَ، وَمِنْ بَعْدِ الْغَدَاةِ لِيَوْمَيْنِ، ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ. وَلِهَذَا الْحَدِيثِ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا، وَمَعْنَاهَا وَاحِدٌ، وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُوَطَّإِ مَا نَصُّهُ: تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ الَّذِي أَرْخَصَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي تَأْخِيرِ رَمْيِ الْجِمَارِ فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّهُمْ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي يَوْمَ النَّحْرِ رَمَوْا مِنَ الْغَدِ، وَذَلِكَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ، فَيَرْمُونَ لِلْيَوْمِ الَّذِي مَضَى، ثُمَّ يَرْمُونَ لِيَوْمِهِمْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي أَحَدٌ شَيْئًا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ، فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَمَضَى كَانَ الْقَضَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ بَدَا لَهُمُ النَّفْرُ فَقَدْ فَرَغُوا، وَإِنْ أَقَامُوا إِلَى الْغَدِ رَمَوْا مَعَ النَّاسِ يَوْمَ النَّفْرِ الْآخَرِ، وَنَفَرُوا. انْتَهَى مِنْهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي فَسَّرَ بِهِ الْحَدِيثَ هُوَ صَرِيحُ مَعْنَاهُ فِي رِوَايَةِ مَنْ رَوَى: أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدَعُوا يَوْمًا، وَحَدِيثُ عَاصِمٍ الْعَجْلَانِيِّ هَذَا قَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

فَإِنْ قِيلَ: أَنْتُمْ سُقْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ مُسْتَدِلِّينَ بِهِ عَلَى أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كَالْيَوْمِ الْوَاحِدِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَخَّصَ لَهُمْ فِي تَأْخِيرِ رَمْيِ يَوْمٍ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ الثَّانِيَ وَقْتٌ لِرَمْيِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ لَوْ فَاتَ وَقْتُهُ لَفَاتَ بِفَوَاتِ وَقَتِهِ لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي فِي الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ الَّذِي هُوَ خَامِسُ يَوْمِ النَّحْرِ فَمَا بَعْدَهُ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ مَالِكٍ فِي تَفْسِيرِهِ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَمْيَ يَوْمٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ قَضَاءٌ لِقَوْلِهِ فِي كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ: فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَمَضَى كَانَ الْقَضَاءُ.

فَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015