عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَالْمُدَلِّسُ إِذَا عَنْعَنَ لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مِرَارًا أَنَّ مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ، يَحْتَجُّ بِعَنْعَنَةِ الْمُدَلِّسِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَأَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ: الِاحْتِجَاجُ بِالْمُرْسَلِ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِمَارَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ» .

وَبِهَذِهِ النُّصُوصِ الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ بِجَوَازِ الرَّمْيِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَتَرْخِيصَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّمْيِ يَوْمَ النَّفْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَقَوْلَ إِسْحَاقَ: إِنْ رَمَى قَبْلَ الزَّوَالِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَجْزَأَهُ، كُلُّ ذَلِكَ خِلَافُ التَّحْقِيقِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتِ عَنْهُ الْمُعْتَضِدِ بِقَوْلِهِ: «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ، وَلِذَلِكَ خَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي تَرْخِيصِهِ الْمَذْكُورِ صَاحِبَاهُ مُحَمَّدٌ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَلَمْ يَرِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ يُخَالِفُ ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ بِالرَّمْيِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ أَلْبَتَّةَ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

الْفَرْعُ الثَّانِي: اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، فَيَبْدَأُ بِالْجَمْرَةِ الْأُولَى الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ، فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَقِفُ، فَيَدْعُو طَوِيلًا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ إِلَى الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى، فَيَرْمِيهَا كَالَّتِي قَبْلَهَا، ثُمَّ يَقِفُ، فَيَدْعُو طَوِيلًا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ إِلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَيَرْمِيهَا كَذَلِكَ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا بَلْ يَنْصَرِفُ إِذَا رَمَى وَهَذَا التَّرْتِيبُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِأَخْذِ الْمَنَاسِكِ عَنْهُ. فَعَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ عَنْهُ مِنْ مَنَاسِكِنَا التَّرْتِيبَ الْمَذْكُورَ. فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ، حَتَّى يُسْهِلَ، فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَيَقُومُ طَوِيلًا، وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى، ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيَسْتَهِلُّ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلًا، وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَقُومُ طَوِيلًا، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ اهـ.

رَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ مُتَوَالِيَةٍ، وَهُوَ نَصٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فَإِنْ لَمْ يُرَتِّبِ الْجَمَرَاتِ، بِأَنْ بَدَأَ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ الرَّمْيُ مُنَكَّسًا لِأَنَّهُ خَالَفَ هَدْيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ عَمِلَ عَمْلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ، وَتَنْكِيسُ الرَّمْيِ عَمَلٌ لَيْسَ مِنْ أَمْرِنَا، فَيَكُونُ مَرْدُودًا، وَبِهَذَا قَالَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015