قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَلَى عَدَمِ رُكْنِيَّةِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ صَحِيحٌ، وَأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى ذَلِكَ دَلَالَةُ إِشَارَةٍ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْأُصُولِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْحَاجِّ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ كَفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ كَمَا قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُزْدَلِفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ، فَحَيْثُ وَقَفَ مِنْهَا أَجْزَأَهُ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ.

الْفَرْعُ الثَّانِي: اعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي التَّعْجِيلُ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمُزْدَلِفَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، كَمَا فَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَّى صَلَاةً إِلَّا بِمِيقَاتِهَا إِلَّا صَلَاتَيْنِ: صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا. لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ صَلَّى الصُّبْحَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ إِجْمَاعًا، وَلَكِنَّ مُرَادَهُ بِهِ أَنَّهُ صَلَّاهَا قَبْلَ مِيقَاتِهَا الْمُعْتَادِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّيهَا فِيهِ، وَلَكِنْ بَعْدَ تَحَقُّقِ طُلُوعِ الْفَجْرِ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ نَفْسِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: حَجَّ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَتَيْنَا الْمُزْدَلِفَةَ. الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَّا هَذِهِ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَكَانِ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هُمَا صَلَاتَانِ يُحَوَّلَانِ عَنْ وَقْتِهِمَا، صَلَاةُ الْمَغْرِبِ بَعْدَ مَا يَأْتِي النَّاسُ الْمُزْدَلِفَةَ، وَالْفَجْرِ حِينَ يَبْزُغُ الْفَجْرُ، قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ انْتَهَى مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ.

فَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَوْلُهُ: وَالْفَجْرِ حِينَ يَبْزُغُ الْفَجْرُ، وَإِتْبَاعُهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ: قَبْلَ مِيقَاتِهَا يَعْنِي بِهِ: وَقْتَهَا الَّذِي يُصَلِّيهَا فِيهِ عَادَةً، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ صَلَّاهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَمَا تَرَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015