الْفَرْعُ الثَّانِي: اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ وُقُوفِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِعَرَفَةَ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وُقُوفُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، قَالَ: وَبِهِ أَقُولُ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: لَيْسَ فِي وُقُوفِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ نَصٌّ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ أَوْ عَدَمِهَا.

وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ بِصِحَّتِهِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ لَهُ نِيَّةٌ تَخُصُّهُ، وَإِذَا سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ بِدُونِ النِّيَّةِ، كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ فَلَا مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهِ مِنَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، كَمَا يَصِحُّ مِنَ النَّائِمِ، وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ حَتَّى يَصِحَّ وُقُوفُهُ، وَمِمَّنْ قَالَ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ: الْحَسَنُ، وَمِمَّنْ قَالَ بِصِحَّتِهِ: عَطَاءٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

الْفَرْعُ الثَّالِثُ: اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا عَرَفَاتٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا صِحَّةُ وُقُوفِهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ. انْتَهَى مِنْهُ.

الْفَرْعُ الرَّابِعُ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ جَمْعِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ جَمْعَ تَأْخِيرٍ بِمُزْدَلِفَةَ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ دَلِيلًا: أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ فَقَطْ، وَيُقِيمَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا.

وَأَظْهَرُ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي: أَنَّ جَمِيعَ الْحُجَّاجِ يَجْمَعُونَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَيَقْصُرُونَ، وَكَذَلِكَ فِي جَمْعِ التَّأْخِيرِ فِي مُزْدَلِفَةَ يَقْصُرُونَ الْعِشَاءَ، وَأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَغَيْرَهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَأَنَّ حَدِيثَ: " أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ "، إِنَّمَا قَالَهُ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ لَا فِي عَرَفَةَ وَلَا فِي مُزْدَلِفَةَ، وَرَوَى مَالِكٌ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ. ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئًا، وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقْصُرُونَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى: مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ. وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يُتِمُّونَ صَلَاتَهُمْ فِي عَرَفَةَ، وَمُزْدَلِفَةَ، وَمِنًى: الْأَئِمَّةُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015