نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ،» فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْلًا أَوْ نَهَارًا» يَدُلُّ عَلَى شُمُولِ الْحُكْمِ لِجَمِيعِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَ الْمَجْدِ فِي الْمُنْتَقَى، بَعْدَ أَنْ سَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ: وَهُوَ حُجَّةٌ فِي أَنَّ نَهَارَ عَرَفَةَ كُلَّهُ وَقْتٌ لِلْوُقُوفِ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ هِيَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهَارِ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ الْمَذْكُورِ خُصُوصُ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ لَمْ يَقِفُوا إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ وَقَفَ قَبْلَهُ. قَالُوا: فَفِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِعْلُ خُلَفَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ: أَوْ نَهَارًا.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ إِجْمَاعًا، وَأَنَّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ فَوُقُوفُهُ تَامٌّ إِجْمَاعًا، وَأَنَّ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، فَوُقُوفُهُ تَامٌّ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِلُزُومِ الدَّمِ، وَأَنَّ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ، لَمْ يَصِحَّ وُقُوفُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ: حَجُّهُ صَحِيحٌ. مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَعَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ.

وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الدَّمِ، فَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ دَمٌ، وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا دَمَ عَلَيْهِ. وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالثَّانِي: عَلَيْهِ دَمٌ. قِيلَ وُجُوبًا، وَقِيلَ: اسْتِنَانًا، وَقِيلَ: نَدْبًا. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ سُنَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ. وَأَنَّمَا قِيلَ: الزَّوَالُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ لَيْسَ وَقْتًا لِلْوُقُوفِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، خِلَافًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ رَأَيْتَ أَدِلَّةَ الْجَمِيعِ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: أَمَّا مَنِ اقْتَصَرَ فِي وُقُوفِهِ عَلَى اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، أَوِ النَّهَارِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ دُونَ اللَّيْلِ، فَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِيهِ دَلِيلًا: عَدَمُ لُزُومِ الدَّمِ. أَمَّا الْمُقْتَصِرُ عَلَى اللَّيْلِ فَلِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ الدِّيلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا، وَبَيَّنَّا أَنَّهُ صَحِيحٌ. وَفِيهِ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيِّ: فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ. هَذَا لَفْظُ النَّسَائِيِّ، وَلَفْظُ أَحْمَدَ: مَنْ جَاءَ عَرَفَةَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، اهـ. وَلَفَظُ أَحْمَدَ الْمَذْكُورُ بِوَاسِطَةِ نَقْلِ ابْنِ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الثَّابِتِ: «فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» مُرَتِّبًا ذَلِكَ عَلَى إِتْيَانِهِ عَرَفَةَ، قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُقْتَصِرَ عَلَى الْوُقُوفِ لَيْلًا: أَنَّ حَجَّهُ تَامٌّ، وَظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ التَّمَامِ، عَدَمُ لُزُومِ الدَّمِ، وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يُعَارِضُهُ مِنْ صَرِيحِ الْكِتَابِ أَوِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015