أَوْضَحْنَا فِي هَذَا الْكَلَامِ حُجَّةَ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتَفْضِيلِ الْإِفْرَادِ عَلَى غَيْرِهِ، مِنْ أَنْوَاعِ النُّسُكِ، وَجَوَابَهُمْ عَمَّا جَاءَ مِنَ الْأَحَادِيثِ دَالًّا عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْقِرَانِ أَوِ التَّمَتُّعِ، وَوَجْهَ جَمْعِهِمْ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي ظَاهِرُهَا الِاخْتِلَافُ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ
ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْقِرَانَ هُوَ أَفْضَلُ أَنْوَاعِ النُّسُكِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَالْمُزَنِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، دَالَّةٍ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا فِي حَجَّتِهِ.
مِنْهَا: مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ» الْحَدِيثَ، أَخْرَجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ.
وَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مُتَّصِلًا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ سَوَاءً.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ قَرَنَ الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ، وَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا» ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ - يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ - وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ آيَةَ مُتْعَةِ الْحَجِّ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ، قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. الْحَدِيثَ، هَكَذَا لَفَظُ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ قَرِيبٌ مِنْهُ بِمَعْنَاهُ فِي التَّفْسِيرِ، وَفِي الْحَجِّ. وَمُرَادُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِالتَّمَتُّعِ الْمَذْكُورِ: الْقِرَانُ، بِدَلِيلِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ الْمُصَرِّحَةِ بِذَلِكَ.
قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: