التَّصْرِيحُ بِأَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَرَى أَفْضَلِيَّةَ الْإِفْرَادِ عَلَى غَيْرِهِ لِنَهْيِهِ عَنِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا رَأَيْتَ.

وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ: كَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، وَكَانَ عَلَيٌّ يَأْمُرُ بِهَا، الْحَدِيثَ. وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِنَهْيِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ التَّمَتُّعِ، وَبِمَا ذَكَرْنَا كُلِّهِ تَعْلَمُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كُلَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الْإِفْرَادَ أَفْضَلَ، وَكَانَ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُونَهُ كَمَا رَأَيْتَ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ بِذَلِكَ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَمَا وَرَدَ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا رَأَيْتَ.

تَنْبِيهٌ

فَإِنْ قِيلَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفَضِّلُونَ الْإِفْرَادَ، كَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمَا، وَكَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَمَنْ ذَكَرْنَا سَابِقًا مِمَّنْ يَقُولُ بِأَفْضَلِيَّةِ الْإِفْرَادِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ النُّسُكِ بِأَيِّ جَوَابٍ يُجِيبُونَ عَنِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا، وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ بِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ بِأَنَّهُ أَمَرَ كُلَّ مَنْ لَمْ يَسُقْ هَدْيًا مِنْ أَصْحَابِهِ، بِأَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ إِحْرَامِهِ بِعُمْرَةٍ، فَالَّذِينَ أَحْرَمُوا بِالْإِفْرَادِ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ، وَالتَّحَلُّلِ التَّامِّ مِنْ تِلْكَ الْعُمْرَةِ، وَتَأَسَّفَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهُ سَاقَ الْهَدْيَ الَّذِي صَارَ سَبَبًا لِمَنْعِهِ مِنَ التَّحَلُّلِ بِعُمْرَةٍ، وَقَالَ «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً» مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَأَسَّفُ عَلَى فَوَاتِ الْعُمْرَةِ، إِلَّا وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا، وَالْقِرانُ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّهُ لَهُ لَا يَكُونُ غَيْرُهُ أَفْضَلَ مِنْهُ، لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَخْتَارُ لِنَبِيِّهِ فِي نُسُكِهِ إِلَّا مَا هُوَ الْأَفْضَلُ.

فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ التَّمَتُّعَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مُفْرِدًا وَذَلِكَ بِفَسْخِ الْحَجِّ فِي الْعُمْرَةِ، لَا شَكَّ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَفْضَلِيَّتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ فِيمَا سِوَاهُ.

وَإِيضَاحُ ذَلِكَ: أَنَّهُ دَلَّتْ أَدِلَّةٌ سَيَأْتِي قَرِيبًا تَفْصِيلُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، عَلَى أَنَّ تَحَتُّمَ فَسْخِ الْحَجِّ الْمَذْكُورِ فِي الْعُمْرَةِ وَأَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِهِ خَاصٌّ بِذَلِكَ الرَّكْبِ وَبِتِلْكَ السَّنَةِ، وَأَنَّهُ مَا أَمَرَ بِذَلِكَ لِأَفْضَلِيَّةِ ذَلِكَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، وَلَكِنْ لِحِكْمَةٍ أُخْرَى خَارِجَةٍ عَنْ ذَاتِهِ؛ وَهِيَ أَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ جَائِزَةٌ، وَمَا فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمَرَ بِهِ لِلْبَيَانِ وَالتَّشْرِيعِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015