وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [22 \ 27] .

وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مُسْتَوْفًى، هَذَا هُوَ حَاصِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَطِيعِ بِنَفْسِهِ.

وَأَمَّا مَا يُسَمُّونَهُ الْمُسْتَطِيعَ بِغَيْرِهِ فَهُوَ نَوْعَانِ:

الْأَوَّلُ مِنْهُمَا: هُوَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، لِكَوْنِهِ زَمِنًا، أَوْ هَرِمًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ لَهُ مَالٌ يَدْفَعُهُ إِلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ بِغَيْرِهِ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [3 \ 97] ؟ أَوْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ ; لِأَنَّهُ عَاجِزٌ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ بِالنَّظَرِ إِلَى نَفْسِهِ، فَلَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْآيَةِ؟

وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ ; فَيَلْزَمُهُ عِنْدَهُمْ أُجْرَةُ أَجِيرٍ يَحُجُّ عَنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يَجِدَ ذَلِكَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَدَاوُدُ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَا يَجِبُ إِلَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [53 \ 39] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [3 \ 97] ، وَهَذَا لَا يَسْتَطِيعُ بِنَفْسِهِ، فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ، وَبِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا تَصِحُّ فِيهَا النِّيَابَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَكَذَلِكَ مَعَ الْعَجْزِ كَالصَّلَاةِ، وَاحْتَجَّ الْأَكْثَرُونَ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ بِأَحَادِيثَ رَوَاهَا الْجَمَاعَةُ.

مِنْهَا: مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: أَنَّ امْرَأَةً (ح) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مَنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . وَفِي رِوَايَةٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَتْ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.

وَفِي لَفْظٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015