8

[35 \ 9] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ [43 \ 11] وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ هُنَا: وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ [22 \ 5] بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى إِلَى قَوْلِهِ: وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ [22 \ 6 - 7] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْآيَةُ الْأُولَى الَّتِي هِيَ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ [22 \ 3] نَازِلَةٌ فِي الْأَتْبَاعِ الْجَهَلَةِ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، اتِّبَاعًا لِرُؤَسَائِهِمْ، مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَهَذِهِ الْآيَةُ الْأَخِيرَةُ فِي الرُّؤَسَاءِ الدُّعَاةِ إِلَى الضَّلَالِ الْمَتْبُوعِينَ فِي ذَلِكَ، وَيَدُلُّ لِهَذَا أَنَّهُ قَالَ فِي الْأُولَى: وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ [22 \ 3] وَقَالَ فِي هَذِهِ: ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [22 \ 9] فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مُضِلٌّ لِغَيْرِهِ، مَتْبُوعٌ فِي الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ، عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ بِضَمِّ يَاءِ «يُضِلُّ» وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَأَبِي عَمْرٍو بِفَتْحِ الْيَاءِ، فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مَعْنَى جِدَالِ الْكَفَرَةِ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: بِغَيْرِ عِلْمٍ [22 \ 8] ؛ أَيْ: بِدُونِ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ، حَاصِلٍ لَهُمْ بِمَا يُجَادِلُونَ بِهِ وَلَا هُدًى؛ أَيْ اسْتِدْلَالٍ وَنَظَرٍ عَقْلِيٍّ، يَهْتَدِي بِهِ الْعَقْلُ لِلصَّوَابِ وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ؛ أَيْ: وَحْيٍ نَيِّرٍ وَاضِحٍ، يَعْلَمُ بِهِ مَا يُجَادِلُ بِهِ، فَلَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمٌ ضَرُورِيٌّ وَلَا عِلْمٌ مُكْتَسَبٌ بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ الْعَقْلِيِّ، وَلَا عِلْمٌ مِنْ وَحْيٍ، فَهُوَ جَاهِلٌ مَحْضٌ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ، وَقَوْلُهُ: ثَانِيَ عِطْفِهِ [22 \ 9] حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ الْمُسْتَكِنِّ فِي: يُجَادِلُ؛ أَيْ: يُخَاصِمُ بِالْبَاطِلِ فِي حَالِ كَوْنِهِ ثَانِيَ عِطْفِهِ؛ أَيْ: لَاوِي عُنُقِهِ عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ اسْتِكْبَارًا وَإِعْرَاضًا. فَقَوْلُهُ: (ثَانِيَ) اسْمُ فَاعِلِ ثَنَى الشَّيْءَ: إِذَا لَوَاهُ، وَأَصْلُ الْعِطْفِ: الْجَانِبُ، وَعِطْفَا الرَّجُلِ: جَانِبَاهُ مِنْ لَدُنْ رَأْسِهِ إِلَى وِرْكَيْهِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: ثَنَى فُلَانٌ عَنْكَ عِطْفَهُ، تَعْنِي أَعْرَضَ عَنْكَ. وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْعُلَمَاءُ هُنَا بِالْعُنُقِ فَقَالُوا: ثَانِيَ عِطْفِهِ: لَاوِي عُنُقِهِ، مَعَ أَنَّ الْعِطْفَ يَشْمَلُ الْعُنُقَ وَغَيْرَهَا ; لِأَنَّ أَوَّلَ مَا يَظْهَرُ فِيهِ الصُّدُودُ عُنُقُ الْإِنْسَانِ، يَلْوِيهَا وَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ الشَّيْءِ بِلَيِّهَا. وَالْمُفَسِّرُونَ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [22 \ 9] وَنَحْوِهَا مِنَ الْآيَاتِ مِمَّا لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015