الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ [7 \ 8 - 9] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [23 \ 101 - 103] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ [101 \ 6 - 9] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَمَا ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ أَنَّ مَوَازِينَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَوَازِينُ قِسْطٍ ذَكَرَهُ فِي «الْأَعْرَافِ» فِي قَوْلِهِ: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ [7 \ 8] لِأَنَّ الْحَقَّ عَدْلٌ وَقِسْطٌ، وَمَا ذَكَرَهُ فِيهَا مِنْ أَنَّهُ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا بَيَّنَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [4 \ 40] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [10 \ 44] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [18 \ 49] وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى هَذَا فِي سُورَةِ «الْكَهْفِ» .
وَمَا ذَكَرَهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ كَوْنِ الْعَمَلِ، وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ أَتَى بِهِ - جَلَّ وَعَلَا - أَوْضَحَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ عَنْ لُقْمَانَ مُقَرِّرًا لَهُ: يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [31 \ 16] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [99 \ 7 - 8] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ جَمْعُ مِيزَانٍ. وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ تَعَدُّدُ الْمُوَازِينِ لِكُلِّ شَخْصٍ؛ لِقَوْلِهِ: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ [23 \ 102] وَقَوْلِهِ: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ [23] فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ الْوَاحِدِ مَوَازِينَ يُوزَنُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا صِنْفٌ مِنْ أَعْمَالِهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
مَلِكٌ تَقُومُ الْحَادِثَاتُ لِعَدْلِهِ ... فَلِكُلِّ حَادِثَةٍ لَهَا مِيزَانُ
وَالْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ فِي الْأُصُولِ: أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا هُوَ مِيزَانٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا جُمِعَ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْأَعْمَالِ الْمَوْزُونَةِ فِيهِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي آخِرِ سُورَةِ «الْكَهْفِ»