فَمَعْنَى قَوْلِهِ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ أَيْ: شَرَعَا يَلْزَقَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ لِيَسْتُرَا بِهِ عَوْرَاتِهِمَا. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: خَصَفَ النَّعْلَ يَخْصِفُهَا: إِذَا خَرَّزَهَا: وَخَصَفَ الْوَرَقَ عَلَى بَدَنِهِ: إِذَا أَلْزَقَهَا وَأَطْبَقَهَا عَلَيْهِ وَرَقَةً وَرَقَةً. وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ وَرَقَ الْجَنَّةِ الَّتِي طَفِقَ آدَمُ وَحَوَّاءُ يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْهُ إِنَّهُ وَرَقُ التِّينِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ السِّتْرَ الَّذِي كَانَ عَلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ، وَانْكَشَفَ عَنْهُمَا لَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِهِ، فَقَالَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: كَانَ عَلَيْهِمَا لِبَاسٌ مِنْ جِنْسِ الظُّفُرِ. فَلَمَّا أَكَلَا مِنَ الشَّجَرَةِ أَزَالَهُ اللَّهُ عَنْهُمَا إِلَّا مَا أَبْقَى عَلَى رُءُوسِ الْأَصَابِعِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: كَانَ لِبَاسُهُمَا نُورًا يَسْتُرُ اللَّهُ بِهِ سَوْءَاتِهِمَا. وَقِيلَ: لِبَاسٌ مِنْ يَاقُوتٍ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ. وَهُوَ مِنَ الِاخْتِلَافِ الَّذِي لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى الْوَاقِعِ فِيهِ كَمَا قَدَّمْنَا كَثِيرًا مِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ فِي سُورَةِ «الْكَهْفِ» . وَغَايَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ: أَنَّهُمَا كَانَ عَلَيْهِمَا لِبَاسٌ يَسْتُرُهُمَا اللَّهُ بِهِ. فَلَمَّا أَكَلَا مِنَ الشَّجَرَةِ نَزَعَ عَنْهُمَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اللِّبَاسُ الْمَذْكُورُ الظُّفُرَ أَوِ النُّورَ، أَوْ لِبَاسَ التَّقْوَى، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ.

وَأَسْنَدَ جَلَّ وَعَلَا إِبْدَاءَ مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءَاتِهِمَا إِلَى الشَّيْطَانِ قَوْلُهُ: لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا [7 \ 20] ، كَمَا أُسْنِدَ لَهُ نَزْعُ اللِّبَاسِ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا [7 \ 27] ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَسَبِّبُ فِي ذَلِكَ بِوَسْوَسَتِهِ وَتَزْيِينِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ سُؤَالٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: كَيْفَ جُعِلَ سَبَبُ الزَّلَّةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ وَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ مُخْتَصًّا بِآدَمَ دُونَ حَوَّاءَ قَوْلُهُ: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ تِلْكَ الْوَسْوَسَةَ سَبَّبَتِ الزَّلَّةَ لَهُمَا مَعًا كَمَا أَوْضَحْنَاهُ.

وَالْجَوَابُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّهُ بَيَّنَ فِي «الْأَعْرَافِ» أَنَّهُ وَسْوَسَ لِحَوَّاءَ أَيْضًا مَعَ آدَمَ فِي الْقِصَّةِ بِعَيْنِهَا فِي قَوْلِهِ: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ [7 \ 20] ، فَبَيَّنَتْ آيَةُ «الْأَعْرَافِ» مَا لَمْ تُبَيِّنْهُ آيَةُ «طه» كَمَا تَرَى، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

مَسْأَلَةٌ

أَخَذَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وُجُوبَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ يَدُلُّ عَلَى قُبْحِ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي بَذْلُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015