116

مِنْهُمْ بَعْضُ الشَّيْءِ فَإِنَّهُمْ يَتَدَارَكُونَهُ بِصِدْقِ الْإِنَابَةِ إِلَى اللَّهِ حَتَّى يَبْلُغُوا بِذَلِكَ دَرَجَةً أَعَلَا مِنْ دَرَجَةِ مَنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ ذَلِكَ. كَمَا قَالَ هُنَا: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [20 \ 122] ،.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [20 \ 115] ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَانَا آدَمَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَيْسَ مِنَ الرُّسُلِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [46 \ 35] ، وَهُمْ: نُوحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقِيلَ: هُمْ جَمِيعُ الرُّسُلِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا أَيْ: لَمْ نَجِدْ لَهُ صَبْرًا عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ وَمُوَاظَبَةً عَلَى الْتِزَامِ الْأَمْرِ.

وَأَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ رَاجِعَةٌ إِلَى هَذَا، وَالْوُجُودُ فِي قَوْلِهِ: وَلَمْ نَجِدْ قَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، وَمَفْعُولَاهُ لَهُ عَزْمًا وَأَنْ يَكُونَ نَقِيضَ الْعَدَمِ. كَأَنَّهُ قَالَ: وَعِنْدَ مَنَالِهِ عَزْمًا اهـ مِنْهُ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى.

ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ أَمَرَ الْمَلَائِكَةِ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى. أَيْ: أَبَى أَنْ يَسْجُدَ. فَذَكَرَ عَنْهُ هُنَا الْإِبَاءَ وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ هُنَا الِاسْتِكْبَارَ. وَذَكَرَ عَنْهُ الْإِبَاءَ أَيْضًا فِي «الْحِجْرِ» فِي قَوْلِهِ: إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ [15 \ 31] ،. وَقَوْلُهُ فِي آيَةِ «الْحِجْرِ» هَذِهِ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ يُبَيِّنُ مَعْمُولَ «أَبَى» الْمَحْذُوفَ فِي آيَةِ «طه» هَذِهِ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى [20 \ 116] ، أَيْ: أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي «الْحِجْرِ» وَكَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي «الْأَعْرَافِ» فِي قَوْلِهِ: إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ [7 \ 11] ، وَذَكَرَ عَنْهُ فِي سُورَةِ «ص» الِاسْتِكْبَارَ وَحْدَهُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [38] ، وَذَكَرَ عَنْهُ الْإِبَاءَ، وَالِاسْتِكْبَارَ مَعًا فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» فِي قَوْلِهِ: إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [2] ،. وَقَدْ بَيَّنَّا فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» سَبَبَ اسْتِكْبَارِهِ فِي زَعْمِهِ وَأَدِلَّةِ بُطْلَانِ شُبْهَتِهِ فِي زَعْمِهِ الْمَذْكُورِ. وَقَدْ بَيَّنَهَا فِي سُورَةِ «الْكَهْفِ» كَلَامُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ هَلْ أَصْلُهُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَوْ لَا؟

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ صَرَّحَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ السُّجُودَ الْمَذْكُورَ سَجَدَهُ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ لَا بَعْضُهُمْ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015