وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ هُوَ مِنْ بَقِيَّةِ اعْتِذَارِهِمُ الْفَاسِدِ الْبَارِدِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الِاعْتِذَارَ مِنَ الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْلَ لَا مَنْ غَيْرِهِمْ، وَلَا يَبْعُدُ مَعَهُ احْتِمَالُ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِمْ. لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يُعَيِّنُ كَوْنَ الِاعْتِذَارِ مِنْهُمْ تَعَيُّنًا غَيْرَ مُحْتَمَلٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْعُذْرَ عُذْرٌ لَا وَجْهَ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: فَنَسِيَ أَيْ: نَسِيَ مُوسَى إِلَهَهُ هُنَا وَذَهَبَ يَطْلُبُهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ الْفُتُونِ. وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ فَنَسِيَ أَيْ: نَسِيَ أَنْ يُذَكِّرَكُمْ بِهِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا فَنَسِيَ أَيِ: السَّامِرِيُّ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَصَارَ كَافِرًا بِادِّعَاءِ أُلُوهِيَّةِ الْعِجْلِ وَعِبَادَتِهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا.
بَيَّنَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ سَخَافَةَ عُقُولِ الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْلَ، وَكَيْفَ عَبَدُوا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّ الْجَوَابِ لِمَنْ سَأَلَهُ، وَلَا يَمْلِكُ نَفْعًا لِمَنْ عَبَدَهُ، وَلَا ضَرًّا لِمَنْ عَصَاهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْبُودَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنِ النَّفْعِ، وَالضَّرَرِ وَرَدِّ الْجَوَابِ. وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. كَقَوْلِهِ فِي «الْأَعْرَافِ» فِي الْقِصَّةِ بِعَيْنِهَا: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ [7 148] وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنِ اتَّخَذَ مَنْ لَا يُكَلِّمُهُ، وَلَا يَهْدِيهِ سَبِيلًا إِلَهًا أَنَّهُ مِنْ أَظْلَمِ الظَّالِمِينَ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [19 42] وَقَوْلُهُ تَعَالَى عَنْهُ أَيْضًا: قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ [26 72] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا [7 195] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [46 5 - 6] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [35 13] . وَقَدْ قَدَّمْنَا