وَقَالَ فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَزَوَّجُونَ أَزْوَاجَ آبَائِهِمْ قَبْلَ التَّحْرِيمِ: وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [4 \ 22] ، أَيْ: لَكِنْ مَا سَلَفَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيهِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ الْآيَةَ [4 \ 23] .
وَقَالَ فِي الصَّيْدِ قَبْلَ التَّحْرِيمِ: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ الْآيَةَ [5 \ 95] .
وَقَالَ فِي الصَّلَاةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ نَسْخِ اسْتِقْبَالِهِ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [2 \ 143] ، أَيْ: صَلَاتَكُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ النَّسْخِ.
وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ لَمَّا اسْتَغْفَرُوا لِقُرَبَائِهِمُ الْمَوْتَى مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [9 \ 113] ، وَنَدِمُوا عَلَى اسْتِغْفَارِهِمْ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ [9 \ 115] ، فَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يُضِلُّهُمْ بِفِعْلِ أَمْرٍ إِلَّا بَعْدَ بَيَانِ اتِّقَائِهِ.
[مَبْحَثٌ فِي الرِّبَا]
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا، صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّهُ يَمْحَقُ الرِّبَا أَيْ: يُذْهِبُهُ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ أَوْ يَحْرِمُهُ بَرَكَةَ مَالِهِ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرُهُ، وَمَا ذَكَرَ هُنَا مِنْ مَحْقِ الرِّبَا، أَشَارَ إِلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ [30 \ 39] ، وَقَوْلِهِ: قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ الْآيَةَ [5 \ 100] ، وَقَوْلِهِ: وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ، كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ صَرَّحَ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا بِقَوْلِهِ: وَحَرَّمَ الرِّبَا [2 \ 235] ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ الْمُتَعَامِلَ بِالرِّبَا مُحَارِبُ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ [2 \ 278، 279] .
وَصَرَّحَ بِأَنَّ آكِلَ الرِّبَا لَا يَقُومُ أَيْ: مِنْ قَبْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا [2 \ 275]