56

الْمَرَّةِ. وَفِي حَدِيثِ السُّنَنِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَضَرَ جِنَازَةً، فَلَمَّا أَرَادُوا دَفْنَ الْمَيِّتِ أَخَذَ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ فَأَلْقَاهَا فِي الْقَبْرِ وَقَالَ «مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ» ثُمَّ أَخَذَ أُخْرَى وَقَالَ «وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ» ثُمَّ أُخْرَى وَقَالَ «وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى» .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى.

أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِهِ آيَاتِنَا مُضَمَّنَةٌ مَعْنَى الْعَهْدِ كَالْأَلِفِ، وَاللَّامِ. وَالْمُرَادُ بِآيَاتِنَا الْمَعْهُودَةِ لِمُوسَى كُلُّهَا وَهِيَ التِّسْعُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ الْآيَةَ [17 101] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ الْآيَةَ [27 12] . وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْآيَاتُ التِّسْعُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ: الْعَصَا، وَالْيَدُ الْبَيْضَاءُ، وَفَلْقُ الْبَحْرِ، وَالْحَجَرُ الَّذِي انْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، وَنَتْقُ الْجَبَلِ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ. وَقَدْ قَدَّمْنَا كَلَامَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْآيَاتِ التِّسْعِ فِي سُورَةِ «الْإِسْرَاءِ» . وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْعُمُومُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِنَّ اللَّهَ أَرَى فِرْعَوْنَ جَمِيعَ الْآيَاتِ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُوسَى، وَالَّتِي جَاءَ بِهَا غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَذَلِكَ بِأَنْ عَرَّفَهُ مُوسَى جَمِيعَ مُعْجِزَاتِهِ وَمُعْجِزَاتِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ.

وَقَدْ بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ: أَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي أَرَاهَا فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ بَعْضُهَا أَعْظَمُ مِنْ بَعْضٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ «الزُّخْرُفِ» : وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا [48] ، وَقَوْلُهُ: لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى [20 23] ، وَقَوْلُهُ: فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى [79 20] لِأَنَّ الْكُبْرَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ تَأَنِيثُ الْأَكْبَرِ، وَهِيَ صِيغَةُ تَفْضِيلٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا أَكْبَرُ مِنْ غَيْرِهَا.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: فَكَذَّبَ وَأَبَى يَعْنِي أَنَّهُ مَعَ مَا أَرَاهُ اللَّهُ مِنَ الْآيَاتِ الْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ نَبِيِّهِ مُوسَى، كَذَّبَ رَسُولَ رَبِّهِ مُوسَى، وَأَبَى عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ. وَقَدْ أَوْضَحَ جَلَّ وَعَلَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ شِدَّةَ إِبَائِهِ وَعِنَادِهِ وَتَكَبُّرِهِ عَلَى مُوسَى فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ. كَقَوْلِهِ: وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ [7 132] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ [43 47] وَقَوْلِهِ: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [26 29] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ [43 51 - 53] ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015