سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ [36 36] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَوْلُهُ شَتَّى نَعْتٌ لِقَوْلِهِ: أَزْوَاجًا [20 53] . وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى أَيْ أَصْنَافًا مُخْتَلِفَةَ الْأَشْكَالِ، وَالْمَقَادِيرِ، وَالْمَنَافِعِ، وَالْأَلْوَانِ، وَالرَّوَائِحِ، وَالطُّعُومِ. وَقِيلَ شَتَّى جَمْعٌ لِـ «نَبَاتٍ» أَيْ نَبَاتٌ مُخْتَلِفٌ كَمَا بَيَّنَّا. وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ، وَقَوْلُهُ شَتَّى جَمْعُ شَتِيتٍ. كَمَرِيضٍ وَمَرْضَى. وَالشَّتِيتُ: الْمُتَفَرِّقُ. وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ يَصِفُ إِبِلًا جَاءَتْ مُجْتَمِعَةً ثُمَّ تَفَرَّقَتْ، وَهِيَ تُثِيرُ غُبَارًا مُرْتَفِعًا:

جَاءَتْ مَعًا وَأَطْرَقَتْ شَتِيتًا ... وَهِيَ تُثِيرُ السَّاطِعَ السَّخْتِيتَا

وَثَغْرٌ شَتِيتٌ: أَيْ مُتَفَلِّجٌ لِأَنَّهُ مُتَفَرِّقُ الْأَسْنَانِ. أَيْ لَيْسَ بَعْضُهَا لَاصِقًا بِبَعْضٍ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَعْنَى السَّلْكُ: الْإِدْخَالُ. وَقَوْلُهُ سَلَكَ هُنَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ جَعَلَ فِي دَاخِلِ الْأَرْضِ بَيْنَ أَوْدِيَتِهَا وَجِبَالِهَا سُبُلًا فِجَاجًا يَمُرُّ الْخَلْقُ مَعَهَا. وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ هُنَا بِقَوْلِهِ: وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا [20 53] وَعَبَّرَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْجَعْلِ، كَقَوْلِهِ فِي «الْأَنْبِيَاءِ» : وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [21 31] وَقَوْلُهُ فِي «الزُّخْرُفِ» : الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [43 10] وَعَبَّرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَنْ ذَلِكَ بِالْإِلْقَاءِ كَقَوْلِهِ فِي «النَّحْلِ» : وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [31 15] لِأَنَّ عَطْفَ السُّبُلِ عَلَى الرَّوَاسِي ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ أَيْ كُلُوا أَيُّهَا النَّاسُ مِنَ الثِّمَارِ، وَالْحُبُوبِ الَّتِي أَخْرَجْنَاهَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ بِالْمَاءِ الَّذِي أَنْزَلْنَا مِنْ جَمِيعِ مَا هُوَ غِذَاءٌ لَكُمْ مِنَ الْحُبُوبِ، وَالْفَوَاكِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ. أَيْ أَسِيمُوهَا وَسَرِّحُوهَا فِي الْمَرْعَى الَّذِي يَصْلُحُ لِأَكْلِهَا. تَقُولُ: رَعَتَ الْمَاشِيَةُ الْكَلَأَ، وَرَعَاهَا صَاحِبُهَا: أَيْ أَسَامَهَا وَسَرَّحَهَا. يَلْزَمُ وَيَتَعَدَّى. وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ كُلُوا وَارْعَوْا لِلْإِبَاحَةِ. وَلَا يَخْفَى مَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الِامْتِنَانِ، وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْمُنْعِمِ بِذَلِكَ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ.

وَمَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: مِنَ الِامْتِنَانِ عَلَى بَنِي آدَمَ بِأَرْزَاقِهِمْ وَأَرْزَاقِ أَنْعَامِهِمْ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ. كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ «السَّجْدَةِ» : فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ [32 27] ، وَقَوْلِهِ فِي «النَّازِعَاتِ» : أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [79 31 - 33]] ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015