وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى قَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ «لَعَلَّ» فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى التَّعْلِيلِ، إِلَّا الَّتِي فِي سُورَةِ «الشُّعَرَاءِ» : وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ [129] فَهِيَ بِمَعْنَى كَأَنَّكُمْ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّ «لَعَلَّ» تَأْتِي فِي الْعَرَبِيَّةِ لِلتَّعْلِيلِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
فَقُلْتُمْ لَنَا كُفُّوا الْحُرُوبَ لَعَلَّنَا ... نَكُفُّ وَوَثَّقْتُمْ لَنَا كُلَّ مَوْثِقِ
فَلَمَّا كَفَفْنَا الْحَرْبَ كَانَتْ عُهُودُكُمْ ... كَشِبْهِ سَرَابٍ بِالْمَلَا مُتَأَلِّقِ
فَقَوْلُهُ: «لَعَلَّنَا نَكُفُّ» أَيْ لِأَجْلِ أَنْ نَكُفَّ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى مَعْنَاهُ عَلَى رَجَائِكُمَا وَطَمَعِكُمَا، فَالتَّرَجِّي، وَالتَّوَقُّعُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِلَعَلَّ رَاجِعٌ إِلَى جِهَةِ الْبَشَرِ. وَعَزَا الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الْقَوْلَ لِكُبَرَاءِ النَّحْوِيِّينَ كَسِيبَوَيْهِ، وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى.
أَلِفُ الِاثْنَيْنِ فِي قَوْلِهِ «فَأْتِيَاهُ» رَاجِعَةٌ إِلَى مُوسَى وَهَارُونَ. وَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى فِرْعَوْنَ. أَيْ فَأْتَيَا فِرْعَوْنَ «فَقُولَا» لَهُ: «إِنَّا رَسُولَانِ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ» أَيْ خَلِّ عَنْهُمْ وَأَطْلِقْهُمْ لَنَا يَذْهَبُونَ مَعَنَا حَيْثُ شَاءُوا، وَلَا تُعَذِّبْهُمْ.
الْعَذَابُ الَّذِي نَهَى اللَّهُ فِرْعَوْنَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ: هُوَ الْمَذْكُورُ فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ [2 49] ، وَفِي سُورَةِ «إِبْرَاهِيمَ» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ [14 6] ، وَفِي سُورَةِ «الْأَعْرَافِ» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ [7 141] . وَفِي سُورَةِ «الدُّخَانِ» فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ [44 20] وَفِي سُورَةِ «الشُّعَرَاءِ» فِي قَوْلِهِ: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [26 22] .