وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ رَاجِعَةٌ إِلَى «الْمُتَّقِينَ» ، «وَالْمُجْرِمِينَ» جَمِيعًا الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا، وَعَلَيْهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [19 \ 87] مُتَّصِلٌ، وَمَنِ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ فِي «لَا يَمْلِكُونَ» ، أَيْ: لَا يَمْلِكُ مِنْ جَمِيعِهِمْ أَحَدٌ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَالْعَهْدُ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَقْوَالِ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ، أَيْ: إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ فَإِنَّهُمْ يَشْفَعُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا [20 \ 109] ، وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ: أَنَّ الْمَعْبُودَاتِ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا تَمْلِكُ الشَّفَاعَةَ، وَأَنَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ يَمْلِكُهَا بِإِذْنِ اللَّهِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ الْآيَةَ [43 \ 86] ، أَيْ: لَكِنْ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ يَشْفَعُ بِإِذْنِ اللَّهِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ الْآيَةَ [30 \ 12 - 13] وَقَالَ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ الْآيَةَ [10 \ 18] ، وَالْأَحَادِيثُ فِي الشَّفَاعَةِ وَأَنْوَاعِهَا كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَفِي إِعْرَابِ جُمْلَةِ لَا يَمْلِكُونَ وَجْهَانِ، الْأَوَّلُ: أَنَّهَا حَالِيَّةٌ، أَيْ: نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ فِي حَالِ كَوْنِهِمْ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ، أَوْ: نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ فِي حَالِ كَوْنِهِمْ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ مِنْهُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا، وَالثَّانِي أَنَّهَا مُسْتَأْنَفَةٌ لِلْإِخْبَارِ، حَكَاهُ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ، وَمِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَهْدِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ: أَنَّهُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ الْآيَةَ [19 \ 59] .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَهْدُ الْمَذْكُورُ: هُوَ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ كُلَّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ: اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، إِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي، فَإِنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي تُبَاعِدْنِي مِنَ الْخَيْرِ وَتُقَرِّبْنِي مِنَ الشَّرِّ، وَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ،