80

هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ.

وَقَوْلُهُ: وَيَأْتِينَا فَرْدًا، أَيْ: مُنْفَرِدًا لَا مَالَ لَهُ وَلَا وَلَدَ وَلَا خَدَمَ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ الْآيَةَ [6 \ 94] ، وَقَالَ تَعَالَى: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [19 \ 95] كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ عَبَّرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِحَرْفِ التَّنْفِيسِ الدَّالِّ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ فِي قَوْلِهِ: سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ مَعَ أَنَّ مَا يَقُولُهُ الْكَافِرُ يُكْتَبُ بِلَا تَأْخِيرٍ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [50 \ 18] .

فَالْجَوَابُ: أَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ فِي كَشَّافِهِ تَعَرَّضَ لِلْجَوَابِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِمَا نَصُّهُ:.

قُلْتُ: فِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: سَنُظْهِرُ لَهُ وَنُعْلِمُهُ أَنَا كَتَبْنَا قَوْلَهُ، عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِ زَائِدِ بْنِ صَعْصَعَةَ الْفَقْعَسِيِّ:

إِذْ مَا انْتَسَبْنَا لَمْ تَلِدْنِي لَئِيمَةٌ ... وَلَمْ تَجِدِي مِنْ أَنْ تُقِرِّي بِهَا بُدًّا

أَيْ: تَبَيَّنَ وَعُلِمَ بِالِانْتِسَابِ أَنِّي لَسْتُ بِابْنِ لَئِيمَةٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُتَوَعِّدَ يَقُولُ لِلْجَانِي: سَوْفَ أَنْتَقِمُ مِنْكَ، يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالِانْتِصَارِ وَإِنْ تَطَاوَلَ بِهِ الزَّمَانُ وَاسْتَأْخَرَ، فَجَرَّدَهَا هُنَا لِمَعْنَى الْوَعِيدِ. انْتَهَى مِنْهُ بِلَفْظِهِ، إِلَّا أَنَّا زِدْنَا اسْمَ قَائِلِ الْبَيْتِ وَتَكْمِلَتَهُ.

وَمَا ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ أَنَّهُ يَكْتُبُ مَا يَقُولُ هَذَا الْكَافِرُ، ذَكَرَ نَحْوَهُ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ كِتَابِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ [10 \ 21] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [43 \ 80] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [45 \ 29] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [43 \ 19] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [3 \ 181] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [82 \ 9 - 11] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [18 \ 49] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [17 \ 13] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015