لَيْتَ شِعْرِي مُسَافِرَ بْنَ أَبِي عَمْ ... رٍو وَلَيْتَ يَقُولُهَا الْمَحْزُونُ
بُورِكَ الْمَيِّتُ الْغَرِيبُ كَمَا ... بُو رِكَ نَضْرُ الرَّيْحَانِ وَالزَّيْتُونُ
وَقَالَ آخَرُ:
فَبُورِكَ فِي بَنِيكَ وَفِي بَنِيهِمْ ... إِذَا ذُكِرُوا وَنَحْنُ لَكَ الْفِدَاءُ
وَالْآيَاتُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ أَرَاهُ آيَةَ الْيَدِ وَالْعَصَا لِيَتَمَرَّنَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ حُضُورِهِ عِنْدَ فِرْعَوْنِ وَقَوْمِهِ، وَأَنَّهُ وَلَّى مُدْبِرًا خَوْفًا مِنْهَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى لَمَّا صَارَتْ ثُعْبَانًا جَاءَتْ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ " طه ": قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى [20 \ 19 - 22] ، فَقَوْلُهُ: وَلَا تَخَفْ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَزِعَ مِنْهَا لَمَّا صَارَتْ ثُعْبَانًا مُبِينًا، كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي " النَّمْلِ وَالْقَصَصِ ".
وَقَوْلُهُ فِي آيَةِ " طه " هَذِهِ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ [20 \ 22] ، أَيْ: مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ، وَفِيهِ مَا يُسَمِّيهِ الْبَلَاغِيُّونَ احْتِرَاسًا، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ " النَّمْلِ ": يَامُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ [27 \ 9 - 12] ، وَقَوْلِهِ فِي " الْقَصَصِ ": وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [28 \ 31 - 32] ، وَالْبُرْهَانَانِ الْمُشَارُ إِلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ: فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ، هُمَا الْيَدُ وَالْعَصَا، فَلَمَّا تَمَرَّنَ مُوسَى عَلَى الْبُرْهَانَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ هُوَ وَأَخُوهُ إِلَى فِرْعَوْنِ وَمَلَئِهِ طَالَبُوهُ بِآيَةٍ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فَجَاءَهُمْ بِالْبُرْهَانَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَلَمْ يَخَفْ مِنَ الثُّعْبَانِ الَّذِي صَارَتِ الْعَصَا إِيَّاهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ [26 \ 30 - 33] ، وَنَحْوَهَا مِنَ الْآيَاتِ.
وَقَوْلُهُ فِي " النَّمْلِ، وَالْقَصَصِ ": وَلَمْ يُعَقِّبْ، أَيْ: لَمْ يَرْجِعْ مِنْ فِرَارِهِ مِنْهَا، يُقَالُ: عَقَّبَ الْفَارِسُ إِذَا كَرَّ بَعْدَ الْفِرَارِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: