وَقَوْلِهِ: كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا [23 \ 100] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَبَاقِيَ الْأَقْوَالِ تَرَكْنَاهُ لِظُهُورِ ضَعْفِهِ، وَالصَّوَابُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ هُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَقَوْلُهُ «وَسَيِّدًا» وَزْنُ السَّيِّدِ بِالْمِيزَانِ الصَّرْفِيِّ فَيْعِلٌ وَأَصْلُ مَادَّتِهِ) س ود (سَكَنَتْ يَاءُ الْفَعِيلِ الزَّائِدَةِ قَبْلَ الْوَاوِ الَّتِي هِيَ فِي مَوْضِعِ الْعَيْنِ، فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ يَاءً عَنِ الْقَاعِدَةِ التَّصْرِيفِيَّةِ الْمُشَارِ لَهَا بِقَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ:
إِنْ يَسْكُنِ السَّابِقُ مِنْ وَاوٍ وَيَا
الْبَيْتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ آنِفًا، وَأَصْلُهُ مِنَ السَّوَادِ وَهُوَ الْخَلْقُ الْكَثِيرُ، فَالسَّيِّدُ مَنْ يُطِيعُهُ، وَيَتَّبِعُهُ سَوَادٌ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ عَيْنَ الْمَادَّةِ وَاوٌ أَنَّكَ تَقُولُ فِيهِ: سَادَ يَسُودُ بِالْوَاوِ، وَتَقُولُ سَوَّدُوهُ إِذَا جَعَلُوهُ سَيِّدًا، وَالتَّضْعِيفُ يَرُدُّ الْعَيْنَ إِلَى أَصْلِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ الْعَامِرِيِّ:
وَإِنِّي وَإِنْ كُنْتُ ابْنَ سَيِّدِ عَامِرٍ ... وَفَارِسَهَا الْمَشْهُورَ فِي كُلِّ مَوْكِبِ
فَمَا سَوَّدَتْنِي عَامِرٌ عَنْ وِرَاثَةٍ ... أَبَى اللَّهُ أَنْ أَسَمْوَ بِأُمٍّ وَلَا أَبِ
وَقَالَ الْآخَرُ:
وَإِنَّ بِقَوْمٍ سَوَّدُوكَ لِحَاجَةٍ ... إِلَى سَيِّدٍ لَوْ يَظْفَرُونَ بِسَيِّدِ
وَشُهْرَةُ مِثْلِ ذَلِكَ تَكْفِي عَنْ بَيَانِهِ، وَالْآيَةُ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى إِطْلَاقِ السَّيِّدِ عَلَى مَنْ سَادَ مِنَ النَّاسِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» الْحَدِيثَ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمَّا جَاءَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلْحُكْمِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُومُوا لِسَيِّدِكُمْ» وَالتَّحْقِيقُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: وَحَصُورًا [3 \ 39] ، أَنَّهُ الَّذِي حَصَرَ نَفْسَهُ عَنِ النِّسَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إِتْيَانِهِنَّ تَبَتُّلًا مِنْهُ، وَانْقِطَاعًا لِعِبَادَةِ اللَّهِ، وَكَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِ، وَأَمَّا سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ التَّزْوِيجُ وَعَدَمُ التَّبَتُّلِ، أَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْحَصُورَ فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَأَنَّهُ مَحْصُورٌ عَنِ النِّسَاءِ ; لِأَنَّهُ عِنِّينٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِتْيَانِهِنَّ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ; لِأَنَّ الْعُنَّةَ عَيْبٌ وَنَقْصٌ فِي الرِّجَالِ، وَلَيْسَتْ مِنْ فِعْلِهِ حَتَّى يُثْنَى عَلَيْهِ بِهَا، فَالصَّوَابُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ هُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْحَصُورَ هُوَ الَّذِي لَا يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ فِي الْمَيْسِرِ كَمَا قَالَ الْأَخْطَلُ:
وَشَارِبٍ مُرْبِحٍ بِالْكَأْسِ نَادَمَنِي ... لَا بِالْحَصُورِ وَلَا فِيهَا بِسَوَّارِ
قَوْلٌ لَيْسَ بِالصَّوَابِ فِي مَعْنَى الْآيَةِ، بَلْ مَعْنَاهَا هُوَ مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ إِطْلَاقُ الْحَصُورِ