فِي التَّسْلِيمِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَكَانَتُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي اقْتَضَتْ ذَلِكَ حِينَ قُرِّرَ وَحُكِيَ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ أَعْظَمُ فِي الْمَنْزِلَةِ مِنْ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلِكُلٍّ وَجْهٌ، انْتَهَى كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ سَلَامَ اللَّهِ عَلَى يَحْيَى فِي قَوْلِهِ: وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ الْآيَةَ [19 \ 15] ، أَعْظَمُ مِنْ سَلَامِ عِيسَى عَلَى نَفْسِهِ فِي قَوْلِهِ: وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [19 \ 33] ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

تَنْبِيهٌ

الْفَتْحَةُ فِي قَوْلِهِ: يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا [19 \ 15] ، يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ فِي الظُّرُوفِ الثَّلَاثَةِ فَتْحَةُ إِعْرَابٍ نَصْبًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ فَتْحَةَ بِنَاءٍ لِجَوَازِ الْبِنَاءِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ، وَالْأَجْوَدُ أَنْ تَكُونَ فَتْحَةُ يَوْمَ وُلِدَ فَتْحَةَ بِنَاءٍ، وَفَتْحَةُ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ فَتْحَةَ نَصْبٍ ; لِأَنَّ بِنَاءَ مَا قَبْلَ الْفِعْلِ الْمَاضِي أَجْوَدُ مِنْ إِعْرَابِهِ وَإِعْرَابِ مَا قَبْلَ الْمُضَارِعِ وَالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ أَجْوَدُ مِنْ بِنَائِهِ، كَمَا عَقَدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:

وَابْنِ أَوْ أَعْرِبْ مَا كَإِذْ قَدْ أُجْرِيَا ... وَاخْتَرْ بِنَا مَتْلُوِّ فِعْلٍ بُنِيَا

وَقَبْلَ فِعْلٍ مُعْرَبٍ أَوْ مُبْتَدَا ... أَعْرِبْ وَمَنْ بَنَى فَلَنْ يُفَنَّدَا

وَالْأَحْوَالُ فِي مِثْلِ هَذَا أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يُضَافَ الظَّرْفُ الْمَذْكُورُ إِلَى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ فِعْلُهَا مَبْنِيٌّ بِنَاءً أَصْلِيًّا وَهُوَ الْمَاضِي ; كَقَوْلِ نَابِغَةَ ذُبْيَانَ:

عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ الْمَشِيبَ عَلَى الصِّبَا ... فَقُلْتُ أَلَمَّا أَصْحُ وَالشَّيْبُ وَازِعُ

فَبِنَاءُ الظَّرْفِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَجْوَدُ، وَإِعْرَابُهُ جَائِزٌ.

الثَّانِي: أَنْ يُضَافَ الظَّرْفُ الْمَذْكُورُ إِلَى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ فِعْلُهَا مَبْنِيٌّ بِنَاءً عَارِضًا، كَالْمُضَارِعِ الْمَبْنِيِّ لِاتِّصَالِهِ بِنُونِ النِّسْوَةِ، كَقَوْلِ الْآخَرِ:

لَأَجْتَذِبَنَّ مِنْهُنَّ قَلْبِي تَحَلُّمًا ... عَلَى حِينَ يَسْتَصْبِينَ كُلَّ حَلِيمِ

وَحُكْمُ هَذَا كَمَا قَبْلَهُ.

الثَّالِثُ: أَنْ يُضَافَ إِلَى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ فِعْلُهَا مُعْرَبٌ، كَقَوْلِ أَبِي صَخْرٍ الْهُذَلِيِّ:

إِذَا قُلْتُ هَذَا حِينَ أَسْلُو يَهِيجُنِي ... نَسِيمُ الصَّبَا مِنْ حَيْثُ يَطَّلِعُ الْفَجْرُ

فَإِعْرَابُ مِثْلِ هَذَا أَجْوَدُ، وَبِنَاؤُهُ جَائِزٌ.

الرَّابِعُ: أَنْ يُضَافَ الظَّرْفُ الْمَذْكُورُ إِلَى جُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015