يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَحَدِيثِ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُشَارِ إِلَيْهِ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ» ؟ قُلْتُ نَعَمْ: قَالَ: «اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ» قَالَ النَّوَوِيُّ فِي) رِيَاضِ الصَّالِحِينَ (: حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ الْحَثُّ عَلَى الْوَرَعِ وَتَرْكِ الشُّبُهَاتِ، فَلَوِ الْتَبَسَتْ مَثَلًا مَيِّتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ، أَوِ امْرَأَةٌ مَحْرَمٌ بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَأَفْتَاكَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ بِحِلِّيَّةِ إِحْدَاهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُذَكَّاةُ فِي الْأَوَّلِ، وَالْأَجْنَبِيَّةُ فِي الثَّانِي، فَإِنَّكَ إِذَا اسْتَفْتَيْتَ قَلْبَكَ عَلِمْتَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَيِّتَةُ أَوِ الْأُخْتُ، وَأَنَّ تَرْكَ الْحَرَامِ وَالِاسْتِبْرَاءَ لِلدِّينِ وَالْعِرْضِ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِتَجَنُّبِ الْجَمِيعِ ; لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ تَرْكُ الْحَرَامِ إِلَّا بِتَرْكِهِ فَتَرْكُهُ وَاجِبٌ، فَهَذَا يَحِيكُ فِي النَّفْسِ وَلَا تَنْشَرِحُ لَهُ، لِاحْتِمَالِ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ فِيهِ كَمَا تَرَى، وَكُلُّ ذَلِكَ مُسْتَنِدٌ لِنُصُوصِ الشَّرْعِ لَا لِلْإِلْهَامِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الصُّوفِيَّةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْخَيْرِ وَالدِّينِ وَالصَّلَاحِ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجُنَيْدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجُنَيْدِ الْخَزَّازِ الْقَوَارِيرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (مَذْهَبُنَا هَذَا مُقَيَّدٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) ، نَقَلَهُ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ تَرْجَمَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ، كَابْنِ كَثِيرٍ وَابْنِ خِلِّكَانَ وَغَيْرِهِمَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ كَلَامَهُ الْمَذْكُورَ هُوَ الْحَقُّ، فَلَا أَمْرَ وَلَا نَهْيَ إِلَّا عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَبِهَذَا كُلُّهُ تَعْلَمُ أَنَّ قَتْلَ الْخَضِرِ لِلْغُلَامِ، وَخَرْقَهُ لِلسَّفِينَةِ، وَقَوْلَهُ: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي، دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى نُبُوَّتِهِ. وَعَزَا الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْقَوْلَ بِنُبُوَّتِهِ لِلْأَكْثَرِينَ، وَمِمَّا يَسْتَأْنِسُ بِهِ لِلْقَوْلِ بِنُبُوَّتِهِ تَوَاضُعُ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَهُ فِي قَوْلِهِ: قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا [18 \ 66] ، وَقَوْلِهِ: قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا [18 \ 69] ، مَعَ قَوْلِ الْخَضِرِ لَهُ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا، [18 \ 68] .
مَسْأَلَةٌ
اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْخَضِرِ: هَلْ هُوَ حَيٌّ إِلَى الْآنِ، أَوْ هُوَ غَيْرُ حَيٍّ، بَلْ مِمَّنْ مَاتَ فِيمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ؟ فَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ حَيٌّ، وَأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ