وَقَوْلِهِ تَعَالَى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [21 \ 18] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [17 \ 81] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ [13 \ 17] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ سَيَظْهَرُ وَيَعْلُو، وَأَنَّ الْبَاطِلَ سَيَضْمَحِلُّ وَيَزْهَقُ وَيَذْهَبُ جُفَاءً، وَذَلِكَ هُوَ نَقِيضُ مَا كَانَ يُرِيدُهُ الْكُفَّارُ مِنْ إِبْطَالِ الْحَقِّ وَإِدْحَاضِهِ بِالْبَاطِلِ عَنْ طَرِيقِ الْخِصَامِ وَالْجِدَالِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا.
ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْكُفَّارَ اتَّخَذُوا آيَاتِهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى رَسُولِهِ، وَإِنْذَارِهِ لَهُمْ هُزُؤًا، أَيْ: سُخْرِيَةً وَاسْتِخْفَافًا، وَالْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، أَيْ: اتَّخَذُوهَا مَهْزُوءًا بِهَا مُسْتَخَفًّا بِهَا: كَقَوْلِهِ: إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [25 \ 30] .
وَهَذَا الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ هُنَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا [45 \ 9] ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [36 \ 30] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [6 \ 10] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ الْآيَةَ [9 \ 65 - 66] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَ «مَا» فِي قَوْلِهِ «مَا أُنْذِرُوا» مَصْدَرِيَّةٌ، كَمَا قَرَّرْنَا، وَعَلَيْهِ فَلَا ضَمِيرَ مَحْذُوفٌ، وَقِيلَ هِيَ مَوْصُولَةٌ وَالْعَائِدٌ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: «وَمَا أُنْذِرُوا بِهِ هُزُوًا» ، وَحَذْفُ الْعَائِدِ الْمَجْرُورِ بِحَرْفٍ إِنَّمَا يَطَّرِدُ بِالشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:
كَذَلِكَ الَّذِي جُرَّ بِمَا الْمَوْصُولِ جَرْ ... كَمَرَّ بِالَّذِي مَرَرْتُ فَهْوَ بَرْ
وَفِي قَوْلِهِ «هُزُوًا» ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ سَبْعِيَّةٌ قَرَأَهُ حَمْزَةُ بِإِسْكَانِ الزَّايِ فِي الْوَصْلِ، وَبَقِيَّةُ السَّبْعَةِ بِضَمِّ الزَّايِ وَتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ، إِلَّا حَفْصًا عَنْ عَاصِمٍ فَإِنَّهُ يُبْدِلُ الْهَمْزَةَ وَاوًا، وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ حَمْزَةَ فِي الْوَقْفِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ، ذَكَرَ جَلَّ