إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى - إِلَى قَوْلِهِ - يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا [18 \ 13 - 16] وَإِذْ فِي قَوْلِهِ هُنَا: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ [18 \ 10] مَنْصُوبَةٌ بِـ اذْكُرْ مُقَدَّرًا، وَقِيلَ: بِقَوْلِهِ: عَجَبًا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ [18 \ 10] ، أَيْ جَعَلُوا الْكَهْفَ مَأْوًى لَهُمْ وَمَكَانَ اعْتِصَامٍ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، أَيْ أَعْطِنَا رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَالرَّحْمَةُ هُنَا تَشْمَلُ الرِّزْقَ وَالْهُدَى وَالْحِفْظَ مِمَّا هَرَبُوا خَائِفِينَ مِنْهُ مِنْ أَذَى قَوْمِهِمْ، وَالْمَغْفِرَةَ.
وَالْفِتْيَةُ: جَمْعُ فَتًى جَمْعُ تَكْسِيرٍ، وَهُوَ مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ، وَيَدُلُّ لَفْظُ الْفِتْيَةِ عَلَى قِلَّتِهِمْ، وَأَنَّهُمْ شَبَابٌ لَا شِيبَ، خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ ابْنُ السَّرَّاجِ مِنْ: أَنَّ الْفِتْيَةَ اسْمُ جَمْعٍ لَا جَمْعَ تَكْسِيرٍ، وَإِلَى كَوْنِ مِثْلِ الْفِتْيَةِ جَمْعَ تَكْسِيرٍ مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ، أَشَارَ ابْنُ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:
أَفْعِلَةٌ أَفْعُلٌ ثُمَّ فِعْلَهْ ... كَذَاكَ أَفْعَالٌ جُمُوعِ قِلَّةْ
وَالتَّهْيِئَةُ: التَّقْرِيبُ وَالتَّيْسِيرُ، أَيْ يَسِّرْ لَنَا وَقَرِّبْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا، وَالرَّشَدُ: الِاهْتِدَاءُ وَالدَّيْمُومَةُ عَلَيْهِ. وَمِنْ فِي قَوْلِهِ: مِنْ أَمْرِنَا فِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا هُنَا لِلتَّجْرِيدِ، وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى: اجْعَلْ لَنَا أَمْرَنَا رَشَدًا كُلَّهُ، كَمَا تَقُولُ: لَقِيتُ مِنْ زَيْدٍ أَسَدًا. وَمِنْ عَمْرٍو بَحْرًا.
وَالثَّانِي أَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ، وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى: وَاجْعَلْ لَنَا بَعْضَ أَمْرِنَا ; أَيْ وَهُوَ الْبَعْضُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ مِنْ مُفَارَقَةِ الْكَفَّارِ، رَشَدًا، حَتَّى نَكُونَ بِسَبَبِهِ رَاشِدِينَ مُهْتَدِينَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا.
ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ ضَرَبَ عَلَى آذَانِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا، وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ هَذَا الْعَدَدِ هُنَا، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا [18 \ 25] .
وَضَرْبُهُ جَلَّ وَعَلَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ أَنَامَهُمْ، وَمَفْعُولُ «ضَرَبْنَا» مَحْذُوفٌ، أَيْ ضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ حِجَابًا مَانِعًا مِنَ السَّمَاعِ فَلَا يَسْمَعُونَ شَيْئًا يُوقِظُهُمْ، وَالْمَعْنَى: أَنَمْنَاهُمْ إِنَامَةً ثَقِيلَةً لَا تُنَبِّهُهُمْ فِيهَا الْأَصْوَاتُ.
وَقَوْلُهُ: سِنِينَ عَدَدًا عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ; أَيْ ذَاتَ عَدَدٍ، أَوْ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، أَيْ سِنِينَ مَعْدُودَةً، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآيَةَ الْمُبَيِّنَةَ لِقَدْرِ عَدَدِهَا بِالسَّنَةِ الْقَمَرِيَّةِ