أَحَسِبْتَ، وَعَلَى الثَّانِي فَالْمَعْنَى: بَلْ حَسِبْتَ، فَهِيَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ جَامِعَةٌ بَيْنَ الْإِضْرَابِ وَالْإِنْكَارِ، وَعَلَى الثَّانِي فَهِيَ لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ فَقَطْ.

وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي مَعْنَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ قِصَّةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَإِنِ اسْتَعْظَمَهَا النَّاسُ وَعَجِبُوا مِنْهَا، فَلَيْسَتْ شَيْئًا عَجَبًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى قُدْرَتِنَا وَعَظِيمِ صُنْعِنَا، فَإِنَّ خَلْقَنَا لِلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَجَعْلَنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا، وَجَعْلَنَا إِيَّاهَا بَعْدَ ذَلِكَ صَعِيدًا جُرُزًا، أَعْظَمُ وَأَعْجَبُ مِمَّا فَعَلْنَا بِأَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَمِنْ كَوْنِنَا أَنَمْنَاهُمْ هَذَا الزَّمَنَ الطَّوِيلَ، ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ، وَيَدُلُّ لِهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا آيَاتٌ كَثِيرَةٌ:

مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا - إِلَى قَوْلِهِ - صَعِيدًا جُرُزًا [18 \ 7 - 8] ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ الْآيَةَ [18 \ 9] ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ قِصَّتَهُمْ لَا عَجَبَ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا خَلَقْنَا مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا.

وَمِنْهَا أَنَّهُ يَكْثُرُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ تَنْبِيهُ النَّاسِ عَلَى أَنَّ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَعْظَمُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، وَمَنْ خَلَقَ الْأَعْظَمَ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْأَصْغَرِ بِلَا شَكٍّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ الْآيَةَ [40 \ 57] ، وَكَقَوْلِهِ: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا - إِلَى قَوْلِهِ - مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [79 \ 27 - 33] كَمَا قَدَّمْنَاهُ مُسْتَوْفًى فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ وَالنَّحْلِ» .

وَمَنْ خَلَقَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْعِظَامَ: كَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا فَلَا عَجَبَ فِي إِقَامَتِهِ أَهْلَ الْكَهْفِ هَذِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ، ثُمَّ بَعْثِهِ إِيَّاهُمْ، كَمَا هُوَ وَاضِحٌ.

وَالْكَهْفُ: النَّقْبُ الْمُتَّسِعُ فِي الْجَبَلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُ وَاسِعًا فَهُوَ غَارٌ. وَقِيلَ: كُلُّ غَارٍ فِي جَبَلٍ: كَهْفٌ. وَمَا يُرْوَى عَنْ أَنَسٍ مِنْ أَنَّ الْكَهْفَ نَفْسُ الْجَبَلِ، غَرِيبٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي اللُّغَةِ.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِـ الرَّقِيمِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ، قِيلَ: الرَّقِيمُ اسْمُ كَلْبِهِمْ، وَهُوَ اعْتِقَادُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ حَيْثُ يَقُولُ:

وَلَيْسَ بِهَا إِلَّا الرَّقِيمُ مُجَاوِرًا ... وَصَيْدُهُمْ وَالْقَوْمُ فِي الْكَهْفِ هُمَّدُ

وَعَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ الرَّقِيمَ: بَلْدَةٌ بِالرُّومِ، وَقِيلَ: اسْمُ الْجَبَلِ الَّذِي فِيهِ الْكَهْفُ، وَقِيلَ: اسْمٌ لِلْوَادِي الَّذِي فِيهِ الْكَهْفُ، وَالْأَقْوَالُ فِيهِ كَثِيرَةٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015