صَالِحٍ، وَقَوْمِ لُوطٍ، وَقَوْمِ شُعَيْبٍ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ [26 \ 8] ، وَقَوْلِهِ فِي قَوْمِ مُوسَى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى [79 \ 26] ، وَقَوْلِهِ: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ، وَقَوْلِهِ: أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ الْآيَةَ [44 \ 37] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ الدَّالَّةِ عَلَّ تَخْوِيفِهِمْ بِمَا وَقَعَ لِمَنْ قَبْلَهُمْ.
الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ هَذِهِ الْقُرُونَ تَعَرَّضَتْ لِبَيَانِهَا آيَاتٌ أُخَرَ ; فَبَيَّنَتْ كَيْفِيَّةَ إِهْلَاكِ قَوْمِ نُوحٍ، وَقَوْمِ هُودٍ، وَقَوْمِ صَالِحٍ، وَقَوْمِ لُوطٍ، وَقَوْمِ شُعَيْبٍ، وَفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ مِنْ قَوْمِ مُوسَى، وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبَيْنَ أَنَّ تِلْكَ الْقُرُونَ كَثِيرَةٌ فِي قَوْلِهِ: وَعَادًا وَثَمُودًا وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا [25 \ 38] وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّ مِنْهَا مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ الْآيَةَ [14 \ 9] . وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعَيْنِ آخَرَيْنِ أَنَّ رُسُلَهُمْ مِنْهُمْ مَنْ قَصَّ خَبَرَهُ عَلَى نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَقْصُصْهُ عَلَيْهِ، وَهَمَا قَوْلُهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [4 \ 164] ، وَقَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ الْآيَةَ [40 \ 78] .
الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ قَوْلَهُ: مِنْ بَعْدِ نُوحٍ [17 \ 17] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرُونَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ أَنَّهَا عَلَى الْإِسْلَامِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتْ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ، كُلُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ. نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ.
وَهَذَا الْمَعْنَى تَدُلُّ عَلَيْهِ آيَاتٌ أُخَرُ، كَقَوْلِهِ: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ الْآيَةَ [2 \ 213] ، وَقَوْلِهِ: وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا الْآيَةَ [10 \ 19] ; لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى طَرِيقِ الْإِسْلَامِ، حَتَّى وَقَعَ مَا وَقَعَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ مِنَ الْكُفْرِ، فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ الْكُفْرِ، مُبَشِّرِينَ مَنْ أَطَاعَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَمُنْذِرِينَ مَنْ عَصَاهُمْ بِالنَّارِ، وَأَوَّلُهُمْ فِي ذَلِكَ نُوحٌ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.