[8 \ 60] ، وَقَالَ: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا الْآيَةَ [34 \ 10، 11] . فَقَوْلُهُ: أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِعْدَادِ لِمُكَافَحَةِ الْعَدُوِّ، وَقَوْلِهِ: وَاعْمَلُوا صَالِحًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الِاسْتِعْدَادَ لِمُكَافَحَةِ الْعَدُوِّ فِي حُدُودِ الدِّينِ الْحَنِيفِ، وَدَاوُدُ مِنْ أَنْبِيَاءِ «سُورَةِ الْأَنْعَامِ» الْمَذْكُورِينَ فِيهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ الْآيَةَ [6 \ 84] ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُمْ: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [6 \ 90] .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْ أَيْنَ أَخَذْتَ السَّجْدَةَ «فِي ص» فَقَالَ: أَوَمَا تَقْرَأُ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ - إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى - أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [6 \ 84 - 90] ، فَسَجَدَهَا دَاوُدُ، فَسَجَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَا مُخَاطَبُونَ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ مِمَّا أُمِرَ بِهِ دَاوُدُ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَسْتَعِدَّ لِكِفَاحِ الْعَدُوِّ مَعَ التَّمَسُّكِ بِدِينِنَا، وَانْظُرْ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، فَهُوَ أَمْرٌ جَازِمٌ بِإِعْدَادِ كُلِّ مَا فِي الِاسْتِطَاعَةِ مِنْ قُوَّةٍ وَلَوْ بَلَغَتِ الْقُوَّةُ مِنَ التَّطَوُّرِ مَا بَلَغَتْ، فَهُوَ أَمْرٌ جَازِمٌ بِمُسَايَرَةِ التَّطَوُّرِ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَعَدَمِ الْجُمُودِ عَلَى الْحَالَاتِ الْأُوَلِ إِذَا طَرَأَ تَطَوُّرٌ جَدِيدٌ، وَلَكِنْ كُلُّ ذَلِكَ مَعَ التَّمَسُّكِ بِالدِّينِ.
وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ الْآيَةَ [4 \ 102] ; فَصَلَاةُ الْخَوْفِ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ تَدُلُّ عَلَى لُزُومِ الْجَمْعِ بَيْنَ مُكَافَحَةِ الْعَدُوِّ، وَبَيْنَ الْقِيَامِ بِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا مِنْ دِينِهِ، فَأَمْرُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ الْتِحَامِ الْكِفَاحِ الْمُسَلَّحِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ دَلَالَةً فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [8 \ 45] ، فَأَمْرُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِذِكْرِ اللَّهِ كَثِيرًا عِنْدَ الْتِحَامِ الْقِتَالِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا دَلَالَةً وَاضِحَةً، فَالْكُفَّارُ خَيَّلُوا لِضِعَافِ الْعُقُولِ أَنَّ النِّسْبَةَ بَيْنَ التَّقَدُّمِ وَالتَّمَسُّكِ بِالدِّينِ، وَالسِّمَاتِ الْحَسَنَةِ وَالْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ، تَبَايَنُ مُقَابَلَةٍ كَتَبَايُنِ النَّقِيضَيْنِ كَالْعَدَمِ وَالْوُجُودِ، وَالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، أَوِ الضِّدَّيْنِ