فهذه ظاهرة الدلالة على وجوب الصبر على الحاكم الكافر فليس للناس وسيلة إلا ذلك حتى يريحهم الله عز وجل منه أو يقضي الله ما يشاء والعاقبة للمتقين.
3 - قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" 1فالحاكم الكافر وتصرفاته مع المسلمين من المنكر الذي يجب إزالته إلا أن إزالته مقترنة بالقدرة على ذلك والاستطاعة، فإذا لم يكن للإنسان قدرة فإنه غير مؤاخذ على ذلك ولا آثم،وكذلك لو ترتب على تغيير المنكر منكر أكبر منه فإنه لا يجوز تغييره،لأن المراد من تغيير المنكر تقليل الشر وتكثير الخير،فإذا أدى تغييره إلى زيادة المنكر وتكثير الشر وتقليل الخير فلا شك أن بعض الشر أهون من بعض فيتوقف المسلم عن ذلك،لأن الغاية من تغيير المنكر وهي تقليل الشر غير متحققة.
4 - موقف الإمام أحمد رحمه الله من الخليفة العباسي الواثق فبعد أن سجن وضرب وأخرج من السجن جاءه بعض فقهاء بغداد وشاوروه في عدم الرضا بخلافة الواثق والخروج عليه فنهاهم عن ذلك وقال لهم: "لا تخلعوا يداً من طاعة ولا تشقوا عصا المسلمين ولا تسفكوا دماءكم ولا دماء المسلمين معكم انظروا في عاقبة أمركم ولا تعجلوا" 2.
فالإمام أحمد رحمه الله قد حذر أولئك الفقهاء مغبة ما عزموا عليه ونهاهم عن ذلك وأمرهم بالصبر إلا أنهم لم يستمعوا إلى قوله فأخذوا كلهم وقتلوا.
وإن من نظر في حال المسلمين الماضين الذين خرجوا على الحكام كيف أنهم سفكوا دماءهم وأشاعوا الفتن والشر يدرك خطورة هذا الأمر، فالخوارج على كثرة خروجهم لم يحققوا لأنفسهم ما كانوا يقصدونه،وكذلك من ابتلي بالخروج من أهل السنة لم يدركوا ما قصدوا ولم يسلموا من القتل والتنكيل وسفك الدماء