ونفى الأصمعيّ عن أهل المدينة وعلمائها العلم بالشعر - أيضا، وهو يصف حالهم في زمانه في القرن الثاني بقوله: "أقمت بالمدينة زماناً ما رأيت بها قصيدة واحدة صحيحة إلا مصحّفة أو مصنوعة"1.
ويذكر الجاحظ أن اللحن في أهل المدينة فاشٍ، وفي عوامهم غالب2.
وتدلّ هذه التهم والأحكام - إن صحّت - على ضعف أهل المدينة في العربية، وبعدهم عن الاشتغال بفنونها كالنحو والإعراب والغريب رواية الشعر.
وظاهرٌ ما في هذه النصوص من مبالغات، وهي لا تخلو من الظلم والحيف لهذه المدينة المباركة، وفيها غمط لما قدمه أبناؤها لعلوم العربية نحوا ومعجماً ورواية، وقد تبيّن لنا من خلال هذا البحث أنّ نواة العربية بذرت في المدينة منذ زمن الخلفاء الراشدين، وأن النحو العربي، كان ثمرة لجهود طائفة من المعنيين باللغة في تلك المدينة تمثلت في تأملهم اللُّغة والنظر في مفرداتها وفي تراكيبها ودقائقها، فلعلي بن أبي طالب ومن قبله عمر بن الخطاب إسهامات لا تنكر في تنقية اللغة ودفع آفة اللحن عنها وتوجيه عناية النابهين لضبطها، واستخلاص مسائلها، ووضع اللبنات الأولى لتقعيدها، ولابن عباس الفضل في وضع الأساس المتين لعلم الدلالة والمعجم العربيّ، وما يتصل بذلك من العناية بالغريب في القرآن بخاصة.
ويأتي من بعد هؤلاء الأعلام طائفة من اللغويين والنحاة المتميزين من أهل المدينة في القرنين، الأول والثاني، كعبد الرحمن بن هرمز الذي عزت إليه بعض الروايات نشأة النحو العربيّ، ومحمد بن كعب القرظيّ، ومسلم بن جندب الهذليّ، وأبان بن تغلب الجُريريّ، وعبد العزيز القارئ الملقب