ونحن نقول لهؤلاء المنكرين: إنَّنا لا نتصوَّر أن يتواطأ جمع من علمائنا القدامى على الكذب، ولا نستكثر على الإِمام عليّ - رضي الله عنه - أن يكون له دور بارز في نشأة هذا العلم، كإرشاد أبي الأسود وتلقينه بعض المبادئ الُّلغوية.
وأية غرابة في أنَّ تدور بين عليّ وصديقه أبي الأسود أحاديث تتّصل باللغة، وهما بها عالمان، وعلى سلامتها حريصان، في زمن استشرت فيه العجمة، وشاع فيه اللحن، وأخذ يتهدد القرآن؟.
وليس ما صنعاه نحواً بالمعنى الَّذي نعرفه اليوم، إنما هي إشارات، وتنبيهات، وملحوظات؛ كانت تدور تحت سماء المدينة وغيرها، منذ عهد الخليفة عمر بن الخطَّاب، فأضاف علي وصاحبه إضافات مهمة، جعلت النَّاس ينسون ما كان قبلهما، ويعزون هذا العلم لهما، أو لأحدهما.
ولو أخذنا بحجَّة انشغال الخليفة علي بتصريف أمور الدَّولة، لأنكرنا كثيراً ممَّا أثر عنه من فنون القول والحكمة، ممّا فاضت به كتب التَّراجم والطَّبقات، وجُمع بعضه في كتاب نهج البلاغة، وذلك أو أكثره يحتاج في صياغته إلى التَّأمُّل والوقت.
وكيف نستكثر على عليّ أن يضيع شيئاً من مبادئ النَّحو أو يرشد إليها، وهو من أكثر الصَّحابة علماً وأشدّهم ذكاء، فقد روي عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: "أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه "1.
فعليّ رجل القضاء والفقه والرِّواية والخطابة، وما روي عن ريادته في النَّحو ليس تأليفا مكتملا يستغرق الوقت، ولكنَّه لفتة من بداهة السليقة2.