دائما محوطة بالغموض والظلام"1. ويقول: "أمَّا تعيين أوّل من وجه العرب إلى الاشتغال بالبحوث اللُغوية فهذا أمر لا يزال غامضا بعد2.
وسبب الغموض عند بعض هؤلاء أنَّه ليس ثمة ما يقطع بالحقيقة في هذا الشأن، لضياع كثير ممَّا أُلّف في المراحل الأولى لنشأة هذا العلم، أو لاضطراب بعض المصادر التَّاريخيَّة الَّتي تعرَّضت لنشأة النَحو العربي، إضافة إلى هيمنة روح التَّشكيك عند بعض المستشرقين في قدرة العرب على ابتداع علم لم يكن لهم سابقة فيه، فانساق أكثر هؤلاء وراء عواطفهم، وزعموا أنّ علوم العربيَّة في نحوها ومعجمها ما هي إلا تقليد ومحاكاة أو ترجمة أجنبية يونانيَّة أو سريانيَّة أو هنديَّة أو فارسيَّة.
والحق أن نشأة علوم العربيَّة وعلى رأسها النّحو ليست بهذه الدَّرجة من الغموض، ومن الممكن أن يصل الباحث إلى نقطة البداية، أو ما يقرب منها مستعيناً بالقرائن العلميّة والرِّوايات التَّاريخيَّة الكثيرة بعد تخليصها من بعض الشوائب.
ومن خلال ذلك يمكن التّعرُّف على الشَّخصيَّة أو الشٌخصيَّات الّتي كان لها دور بارز في المراحل الأولى لنشأة العربية، والنّحو خاصة.
على أنّي أرى أنَّ الخطأ الّذي وقع فيه المؤرخون لهذا العلم من القدامى والمعاصرين هو سعيهم الحثيث وانشغالهم بالبحث عن ذلك الشَّخص الفريد الَّذي أنشأ هذا العلم العظيم، وأخرجه من العدم إلى الوجود، وهذا - في زعمي - جهد ضائع؛ لأنه ليس لتلك الشخصيَّة الوهمية وجودا أصلا! .
فالعربيَّة بعامة والنَّحو بخاصة ثمرة لحشد من التَّراكمات والأنظار والإشارات والملحوظات اللُّغوَّية الَّتي أثارها عدد من النَّابهين من أصحاب