وفي المقال المشار إليه أمثلة أخرى مما يدخل تحت ما يسمونه اليوم بـ "التخاطر" (?)، و"الاستشفاف"، ويعرف باسم "البصيرة الثانية"، اكتفينا بالذي أوردناه؛ لأنها أقرب الأمثال مشابهة لقصة عمر -رضي الله عنه- التي طالما سَمعتُ من يُنكرها من المسلمين؛ لظنه أنها مِمَّا لا يُعْقَلُ، أو أنها تتضمن نسبة العلم بالغيب إلى عمر، بينما نجد غير هؤلاء ممن أشرنا إليهم من المتصوفة يستغلونها لإثبات إمكان اطلاع الأولياء على الغيب، والكل مخطئ؛ فالقصة صحيحة ثابتة، وهي كرامة أكرم اللَّه بها عمر، حيث أنقذ به جيش المسلمين من الأسر أو الفَتك به، ولكن ليس فيها ما زعمه المتصوفة من الاطلاع على الغيب، وإنما هو من باب الإلهام (في عرف الشرع)، أو (التخاطر) في عرف العصر الحاضر، الذي ليس معصومًا؛ فقد يصيب كما في هذه الحادثة، وقد يخطئ كما هو الغالب على البشر؛ ولذلك كان لابد لكل ولي من التقيد بالشرع في كل ما يصدر منه من قول أو فعل خشية الوقوع في المخالفة، فيخرج بذلك عن الولاية التي وصفها الله -تَعَالَى- بوصف جامع شامل فقال: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63]، ولقد أحسن من قال:
إذَا رَأَيْتَ الشَّخْصَ قَدْ يَطِيرُ ... وَفَوْقَ مَاءِ البَحْرِ قَدْ يَسِيرُ
وَلَمْ يَقِفْ عَلَى حُدُودِ الشَّرْعِ ... فَإنَّهُ مُسْتَدْرَجٌ وَبِدْعِي" (?)
* * *