اصول بلا اصول (صفحة 106)

عنهم، وكيف أخبره أنها لُقَطَة، ولم يلتفت إلى ما يُشْبِهُ الكرامة، وإنما لم يأمره بتعريفها لأن مذهب الكوفيين أنه لا يجب التعريف لما دون الدينار، وكأنه إنما أمره بالتصدُّق بها لئلا يَظُنَّ أنه قد أُكرم بأخذها وإنفاقها.

وبإسناد: عن إبراهيم الخراساني أنه قال: "احتجت يومًا إلى الوضوء، فإذا أنا بكوز من جوهر، وسواك من فضة، رأسه ألين من الخَزِّ -وهو أحسن الحرير الخالص- فاستكت بالسواك، وتوضأت بالماء، وتركتهما، وانصرفت".

قلت: في هذه الحكاية من لا يُوثَقُ بروايته، فإن صَحَّتْ دلت على قِلَّةِ علم هذا الرجل؛ إذ لو كان يفهم الفقه علم أن استعمال السواك الفضة لا يجوز، ولكن قلَّ علمه فاستعمله، وإن ظن أنه كرامة، واللَّه -تَعَالَى- لا يكرم بما يمنع استعماله شرعًا، إلا إن أُظْهِرَ له ذلك على سبيل الامتحان) (?).

قال القشيري: (قال إبراهيم الخوَّاص: طَلَبْتُ الْحلال في كل شيء، حتى طلبته في صيد السمك، فأخذت قصبة، وجعلت فيها شَعْرًا، وجلست على الماء، فألقيت الشِّصَّ، فخرجت سمكة، فطرحتها على الأرض، وألقيت ثانية، فخرجت لي سمكة، إذ مِن ورائي لطمة لا أدري مِن يَدِ مَنِ هي، ولا رأيت أحدًا، وسمعت قائلًا يقول: "أنت لم تُصِبْ رزقًا في شيء إلا أن تَعْمَدَ إلى مَنْ يذكرنا فتقتله؟ "، قال إبراهيم: "فقطعت الشعر، وكسرت القصبةَ، وانصرفت" (?).

ولو أن هذا الصوفي تَدَبَّرَ قوله -تَعَالَى-: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96]، لجزم قاطعًا بأن اللاطم لم يكن سوى إبليس؛ إذ اللَّه لا يعاقِب على صيد ما أباحه، ولا يحرم صيد الأسماك؛ لأنها تذكر اللَّه -عَز وَجَلَّ- فإنه ما من شيء إلا يُسَبِّحُ بحمده ويذكره، ولو تركنا ذبح الأنعام -وهى تذكر اللَّه -تعالى- أيضًا-، لم يكن لنا ما يقيم قُوى الأبدان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015