المثال الثاني: فتح العين من المضارع "يأبى" في نحو قوله تعالى: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} (التوبة: 32) فإن القياس كسر العين؛ لأن الماضي إذا كان يائيّ اللام كان مضارعه على زنة "يفعل" بكسر العين، نحو: جرى يجري، وأوى يأوي، وثوى يثوي ونحوها. هذا هو القياس، وقد جاء السماع المطرد بخلافه، وحكم هذا النوع وجوب اتباع السمع الوارد به فيه نفسه، لكنه لا يُتَّخذ أصلًا يقاس عليه غيره؛ فلا يتجاوز المتكلم ما ورد السمع به.
وأما القسم الرابع -وهو الشاذ في القياس والسماع معًا- فالمراد به: ما كان مخالفًا للمسموع من أشباهه ونظائره، ومخالفًا لأقيسة علماء العربية، ومن أمثلته: تتميم ما عينه واو عند تميم في صيغة "مفعول" كقولهم: ثوب مصوون، وفرس مقوود، ورجل معوود من مرضه، فهذا شاذٌّ في القياس؛ إذ القياس حذف إحدى الواوين فيقال: مصون ومقود، كما قيل: مزور ومصوغ، وشاذّ في الاستعمال أيضًا؛ إذ لم يوجد في كلامهم إلا قليلًا.
وقد بين ابن جني حكم هذا النوع فقال: "لا يسوغ القياس عليه، ولا ردّ غيره إليه، ولا يحسن أيضًا استعماله فيما استعملته فيه -أي: العرب- إلا على وجه الحكاية".
نقل السيوطي عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام، الملقب بسلطان العلماء المتوفى سنة ستين وستمائة من الهجرة قوله: "اعْتُمد في العربية على أشعار العرب، وهم كفار لبعد التدليس فيها" انتهى.
ونلحظ أن العز بن عبد السلام قد قيَّد الاحتجاج بالشعر، وكان الأولى أن يقول: اعتمد في العربية على كلام العرب؛ لأن الشعر العربي ونثرهم في ذلك سواء، وقد اعتذر عنه بعض شُرَّاح (الاقتراح) بأمرين: