يُبحث فيه أيضًا عن كيفية الاستدلال بهذه الأدلة أي: عند تعارضها واختلاف مقتضاها، ونحو ذلك كتقديم السماع على القياس؛ إذ لا بد من قبول المسموع، ثم لا يُقاس عليه غيره كـ {اسْتَحْوَذَ} في قوله تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} (المجادلة: 19) فالقياس في مثله أن تُنقل حركة الواو إلى الحرف الساكن الصحيح قبلها وهو الحاء هنا، ثم تُقلب الواو ألفا لتحركها في الأصل، وانفتاح ما قبلها بعد نقل حركتها إليه، ولكن قُدِّم المسموع على هذا القياس في خصوص ما سُمع، ثم لا يُقاس عليه غيره؛ فحكم ما سُمع عن العرب مخالفًا لأقيسة العلماء تقديم المسموع على المقيس، اللهم إلا لمانع من ذلك التقديم، كإجماعهم على إهدار ذلك المسموع لضعفه، كقول العرب: "خرق الثوب المسمار" برفع المفعول ونصب الفاعل.
ومن أمثلة كيفية الاستدلال التي أوردها السيوطي: تقديم ما كثر استعماله على ما قوي قياسه، كتقديم اللغة الحجازية على اللغة التميمية، إلا لمانع من فقدِ شرط من شروط الإعمال، أو أكثر؛ لأن الحجازية أكثر استعمالًا، ولذا نزل بها القرآن الكريم، وإن كانت التميمية أقوى قياسًا، وكتقديم أقوى العلتين على أضعفهما، فإذا تعارض قياسان مثلًا أُخذ بأرجحهما، وهو ما وافق دليلًا آخر من سماع أو قياس، كقول الكوفيين إن "إنَّ" تنصب المبتدأ فقط؛ لشبهها بالفعل، أما الخبر فمرفوع بما كان مرفوعًا به قبل دخولها؛ لضعف الحرف عن القيام بعملين، وقول البصريين: إنها تنصب الاسم وترفع الخبر؛ لأنه ليس في كلام العرب عامل يعمل في الاسم النصب إلا وهو يعمل في الخبر الرفع، فما ذهبتم إليه أيُّها الكوفيون يؤدّي إلى ترك القياس ومخالفة الأصول لغير فائدة.
وكتقديم أخف الأقبحين على أشدهما قبحًا، وذلك إذا قلت مثلًا: فيها قائمًا رجل. لما كنت بين أن ترفع قائمًا، فتقدم الصفة على الموصوف، وهذا لا يكون