درس المنى بمتالع فأباني ... فتقادمت بالحبس فالثوبان
أراد الشاعر درس المنازل، يقال: درس المنزل أي: عفى وانمحى أثره، ومتالع، وأبان، والحبس، والثوبان: أسماء مواضع.
ومما يستقبح من الضرائر أيضًا: العدول عن صيغة لأخرى كقول الحطيئة:
فيه الرماح وفيه كل سابغة ... جدلاء محكمةٍ من نسج سلَّام
أي: من نسج سليمان. وختم السيوطي هذه المسألة بالإشارة إلى مذهب ابن مالك في الضرورة الشعرية؛ حيث ذهب ابن مالك إلى أن الضرورة ما ليس للشاعر عنه مندوحة، أي: ما ليس له عنه سعة وفسحة، وهو بهذا يُخالف ما عليه مذهب سيبويه والجمهور وقد حكم النحويون على مذهب ابن مالك بالفساد والبطلان؛ لاعتماده على مجرد التفسير اللغوي البحت لمعنى الضرورة، من غير مراعاة لطبيعة الشعر الذي هو لغة العواطف والوجدان؛ فالضرورة عند ابن مالك مشتقَّة من الضرر، وهو النازل الذي لا مدفع له، فقول الشاعر:
يقول الخنا وأبغضُ العجم ناطقًا ... إلى ربنا صوت الحمار اليُجَدَّع
فيه ضرورة عند الجمهور، وهي إدخال أل الموصولة على صريح الفعل المضارع المبني للمفعول؛ لمشابهته لاسم المفعول، وذلك لا يجوز عندهم في النثر؛ إذ هو شاذّ قبيح لا يجيء إلا في ضرورة.
وذهب ابن مالك إلى أن وصل أل بالمضارع وغيره جائز اختيارًا، ولكنه قليل، وعلل بجعله في الاختيار بإمكان الشاعر أن يقول: صوت الحمار يُجدّع. من غير إخلال بالوزن أو المعنى، واعتمادًا على هذا المذهب في الضرورة لا يرى ابن مالك بأسًا من الاستشهاد لمجيء المضارع مجزومًا بلام طلب مقدرة بعد قول خبري في الاختيار، بقول الراجز: