الصلة هي التي تُعرف بوجه الضرورة، أو بعلة الضرورة، والمتتبّع لضرائر الشعر عند العرب يجد أن وجه الضرورة لا يكاد يخرج عن أحد أمرين:
الأول: تشبيه ما وقع في الشعر بما وقع في الكلام النثري، كصرف ما لا ينصرف من الأسماء تشبيهًا له بما ينصرف في الكلام للتناسب، كتنوين "سلاسل" مع كونها على صيغة منتهى الجموع؛ لمناسبة ما بعدها في قول الله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا} (الإنسان: 4) وقال أبو كبير الهذلي:
مما حملنا به وهن عواقد ... حُبك النطاق فشب غير مهبل
وصف الشاعر رجلًا شهم الفؤاد، ماضيًا في الرجال ينزع إلى أبيه في الشَّبَه، والشاهد في البيت صرف عواقد، مع أنه على صيغة منتهى الجموع، فهو جمع عاقدة، وذلك للضرورة الشعرية.
والوجه الآخر للضرورة: ردُّ الأشياء إلى أصولها كفكّ المدغم الواجب إدغامه في الكلام كقول الشاعر:
مهلًا أَعاذلَ قد جربت من خلقي ... أني أجود لأقوم وإن ضَنِنُوا
الواجب في الكلام أن يقال: وإن ضنًّوا بوجوب إدغام المثلين، فلما اضطر الشاعر فك الإدغام؛ رجوعًا إلى الأصل.
ومما يؤكد اختيار السيوطي لمذهب سيبويه والجمهور في الضرورة الشعرية إجازته أن يُلحَق بالضرورة ما في معناها، وهو الحاجة إلى تحسين النثر؛ فسيبويه والمبرد والسيرافي وابن عصفور وغيرهم كثير من النحويين قد أجازوا في بعض أنواع الكلام النثري ما جاز في الشعر، كالكلام المسجوع، والأمثال؛ لورود ذلك عن العرب. ففي حين منع جمهور البصريين حذف حرف النداء إذا كان المنادى نكرة مقصودة، ذكر سيبويه أنه قد يجوز بقلةٍ حذف ياء من النكرة المقصودة في الشعر