المثال الأول: حكم الواو في "ورَنْتَل"، والورنتل: هو الشر والأمر العظيم؛ فإن الأمر في هذه الواو بين ضرورتين أن يدعي أنها أصلية وأن يدعي أنها زائدة، وهما أمران قبيحان؛ لأن الواو لا تكون أصلية في ذوات الأربعة إلا مكررة، نحو قولهم: الوصوصة والوحوحة؛ كما أنها لا تكون زائدة في أول الكلام، ولا بد من ارتكاب أحد القبيحين؛ فلما كان الأمر كذلك كان القول بجعلها أصلًا أولى من القول بجعلها زائدة؛ لأن الواو قد تكون أصلًا في ذوات الأربعة على وجه من الوجوه، أي: في حال التضعيف؛ أما أن تزاد أولًا فإن هذا أمر لم يوجد -على أي حال- فكان ارتكاب ما هو موجود خيرًا من ارتكاب ما ليس بموجود.
والمثال الثاني نحو: فيها قائمًا رجلٌ، وفيها قائم رجل؛ فللمتكلم أن يرتكب أحد القبيحين؛ وهما: أن ينصب الوصف المشتق؛ فيجعل "قائمًا" حالًا من النكرة، وأن يرفعه؛ فيجعل اسم الفاعل نعتًا متقدمًا على منعوته؛ فلما كان مخيرًا بين هذين الأمرين كان القول بجعله حالًا من النكرة أولى؛ لأنه وارد على ضعف وأكثره في الشعر؛ كقول كثير:
لمية موحشة طلل ... يلوح كأنه خلل
وأما تقديم النعت على المنعوت فلم يرد.
وننتقل الآن إلى الحديث عن: تعارض المجمع عليه والمختلف فيه:
إذا تعارض أمر أجمع عليه النحويون من البصريين والكوفيين وأمر آخر اختلفوا فيه؛ فإن الرأي المجمع عليه أولى من الرأي المختلف فيه؛ لأن للإجماع مكانته عند علماء العربية، وقد عده ابن جني من أصول النحو الغالبة؛ كما ذكر الشاطبي -رحمه الله- أن إجماع النحويين كإجماع الفقهاء وإجماع المحدثين، وكل علم اجتمع أربابه على مسألة منه؛ فإجماعهم حجة ومخالفهم مخطئ، وإذا كان الأمر كذلك؛ فإن الرأي المجمع عليه أولى من الرأي المختلف فيه؛ ولذلك