الأولى: إعمالها عمل "ليس"، وهي لغة الحجازيين.
والثانية: إهمالها، وهي لغة التميميين.
والقياس يقبل اللغتين ولا يرد واحدة منهما، وقد سبق أن فصلنا القول في اللغتين.
ومما تقدم نلحظ أن اللغتين يقبلهما القياس؛ فيجب قبولهما، ولا يجوز رد واحدة منهما؛ وإنما تقدم إحداهما على الأخرى مع الاعتقاد بصحة الأخرى وفصاحتها، واللغة المقدمة من هاتين اللغتين هي لغة الحجازيين في إعمال "ما" عمل "ليس"؛ لأنها اللغة التي نزل بها القرآن الكريم؛ إذ يقول الله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} (يوسف: 31)، وقد كثر استعمالها كثرة ظاهرة ولا يجوز رد لغة التميميين؛ لأن هاتين اللغتين لغتان متساويتان في القياس؛ فليست إحداهما أحق من الأخرى؛ أما إذا تباعدت اللغتان فكانت إحداهما كثيرة جدًّا وكانت الأخرى قليلة جدًّا؛ فلا يجوز القياس على اللغة القليلة؛ وإنما يقتصر فيها على المسموع ولا يتجاوز.
وقد ذكر ابن جني أنه: "إن قلت: إن إحدى اللغتين قلت جدًّا وكثرت الأخرى جدًّا؛ أخذتَ بأوسعهما رواية وأقواهما قياسًا؛ ألا ترى أنك لا تقول: مررت بَك، ولا: المال لِك؛ قياسًا على قول قضاعة: المال لِه، و: مررت بَه؛ و: لا أكرمتُكِش؛ قياسًا على لغة من قال: مررت بكِش، وعجبت منكِس" انتهى.
ومعنى ما ذكره ابن جني: أن كسر كاف المخاطب لا يجوز قياسًا على كسر الهاء؛ كما لا يجوز زيادة الشين بعد كاف الخطاب المنصوبة قياسًا على من ألحقها بالمجرورة؛ فمثل هذا لا قياس عليه؛ بل يقتصر فيه على المسموع ولا يتجاوز.