وقد نقل السيوطي في (الاقتراح) كلام الأنباري باختصار غير مخلٍّ؛ لأن الغاية التي سعى إليها هي بيان الاستدلال بالعكس، وأنه لما لم يكن المبتدأ منصوبًا مع قيام الخلاف به أيضًا دل عدم نصبه على أن الخلاف لا يكون موجبًا للنصب في الظرف وإلا فإن كون الخلاف عاملًا في أحدهما دون الآخر تحكم وترجيح بلا مرجح؛ فكان عكس الحكم دليلًا على نفيه.

ونختم الحديث ببيان رأي البصريين في عامل النصب في الظرف الواقع خبرًا في نحو ما تقدم إكمالًا للنفع وإتمامًا للفائدة؛ فنقول:

ذهب جمهور البصريين إلى أن عامل النصب في الظرف الواقع خبرًا هو فعل مقدر، والتقدير عندهم: زيد استقر أمامَك، وعمرو استقر وراءَك، وذهب بعضهم إلى أن عامل النصب اسم فاعل، والتقدير: زيد مستقر أمامَك، وعمرو مستقر وراءَك، والقول بتقدير الفعل أولى من القول بتقدير اسم الفاعل؛ لأن اسم الفاعل فرع عن الفعل في العمل، والفعل هو الأصل في العمل؛ فلما وجب تقدير عامل كان تقدير ما هو الأصل في العمل -وهو الفعل- أولى من تقدير ما هو الفرع فيه -وهو اسم الفاعل.

الاستدلال ببيان العلة

إن السيوطي قد اعتمد في مادة هذا الدليل على ما أورده أبو البركات الأنباري في الفصل الرابع والعشرين من كتابه (لمع الأدلة) وعنوانه: ما يلحق بالقياس من وجوه الاستدلال، وذكر في هذا الفصل: أن الاستدلال ببيان العلة هو أحد أدلة النحو غير الغالبة، وجعله مما يكثر التمسك به، وعليه عوَّل السيوطي في كتابه (الاقتراح) تعويلًا كاملًا؛ إذ نقل كلام الأنباري الذي ذكر فيه: أن بيان العلة قد يكون دليلًا يُستدَل به ويعتمد عليه عند الخلاف في إثبات حكم من الأحكام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015