كما ذكر ابن جني في (الخصائص): "أنه لا شك أن العرب أرادت من العلل والأغراض ما استنبطه النحويون بدليل اطراد رفع الفاعل، ونصب المفعول، والجر بحروفه، والنصب بحروفه، والجزم بحروفه، وغير ذلك من التثنية، والجمع، والإضافة، والنسب، والتحقير، وما يطول شرحه من أبواب العربية العارضة للكلم، فهل يحسن بذي لُبٍّ أن يعتقد أن هذا كله اتفاق وقع وتَوارُد اتَّجه.
أما الاختلاف اليسير بين اللهجات العربية في الأحكام كالخلاف بين ما الحجازية والتميمية، فهو شيء غير محتفل به لقلته، ولكونه في الفروع. ومع هذا فلكل وجهه من القياس له ما يدل على وجاهته، وأنه يُؤخذ به، ولو كانت هذه اللغة حشوًا قليلًا، وحسوًا مهيلًا -يعني: لو كانت عشوائية أو اعتباطية- لكثر خلافها، وتعادت أوصافها، فجاء عنهم جرُّ الفاعل، ورفع المضاف إليه، والنصب بحروف الجزم" انتهى.
وأما الحديث عن أقسامها فقد ذكر السيوطي نقلًا عن كتاب (ثمار الصناعة) لأبي عبد الله الحسين بن موسى الدينوري المعروف بالجليس: "أن اعتلالات النحويين صنفان: علة تطرد على كلام العرب، وتنساق إلى قانون لغتهم. وعلة تُظهر حكمتهم وتكشف عن صحة أغراضهم، ومقاصدهم. والأولى هي الأكثر استعمالًا، والأشدّ تداولًا، والمشهور منها أربعة وعشرون نوعًا. وأورد السيوطي هذه الأنواع الأربعة والعشرين عن الجليس، وأردفها بذكر أمثلة لثلاثة وعشرين منها نقلًا عن كتاب (التذكرة) لأحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم القيسي تاج الدين المتوفى سنة تسع وأربعين وسبعمائة من الهجرة، ذاكرًا أن ابن مكتوم قد اعتاص عليه شرح علة منها، وشرحها، ومثَّل لها شمس الدين بن الصائغ الحنفي، المتوفى سنة ست وسبعين وسبعمائة من الهجرة.