ثالثًا: حمل النظير على النظير في اللفظ والمعنى، ومن أمثلته "أفعَل" التفضيل، وهو اسم بإجماع النحويين، وأفعَلَ في التعجب نحو: ما أحسَنَ زيدًا، وقد صححه أنه فعل ماضٍ، وفاعله ضمير راجع لـ"ما" والمنصوب على التعجب هو المفعول، وأفعل التفضيل يوجب أفعل في التعجب وزنًا وأصلًا ومبالغة، وللتشبيه بينهما أجازوا تصغير أفعل في التعجب ومنعوا أفعل التفضيل أن يرفع الاسم الظاهر؛ حملًا لكل على الآخر.
إن حمل الشيء على ضده أو على نقيضه هو الصورة الرابعة من صور القياس، وله أمثلة متعددة منها: النصب بـ"لم"؛ حملًا على الجزم بـ"لن"؛ فإن "لم" و"لن" ضدان؛ إذ إن الأولى تفيد نفي الماضي وتفيد الثانية نفي المستقبل، و"لم" من أدوات جزم الفعل المضارع، وقد جاء النصب بها شاذًّا في قراءة من قرأ: "أَلَمْ نِشْرَحَ لَكَ صَدْرَك" (الشرح: 1) ومنه قول القائل:
من أي يومي من الموت أفر ... أيوم لم يقدر أو يوم قدر؟
فقد ورد المضارع "يقدر" منصوبًا بعد "لم" كما جاء الجزم بـ"لن" في قول الشاعر:
لن يخِب الآن من رجائك ... من حرك من دون بابك الحلقه
فجزم بـ"لن"، وتعرف هذه الظاهرة باسم التقارب في اللغة، ومعنى التقارب: أن يستعير كل واحد من اللفظين من الآخر حكمًا هو أخص به، ونقل السيوطي عن الجزولية: أنه قد يحمل الشيء على مقابله، وعلى مقابل مقابله، وعلى مقابل مقابل مقابله.