ونفى ابن جني أن يكون الشعراء المحتج بشعرهم كانت ضرورتهم أقوى من ضرورتنا، وكان عذرهم فيه أوسع من عذرنا، اعتمادًا على أنهم كانوا يرتجلون الشعر ارتجالًا من غير تمهل وترفق فيه ومراجعة له كما يفعل الشعراء المولدون.
وأوضح أن الشعراء المحتج بشعرهم ليس جميع شعرهم مرتجلًا؛ بل كان منهم من يترسَّل ويتمهَّل كالشعراء المولدين، ومن هؤلاء: زهير بن أبي سلمى، ومروان بن أبي حفصة؛ كما أن من المولدين من يرتجل -أي: فتساوى الآخرون بالأولين- وكما لا يقاس على الشاذ نطقًا لا يقاس عليه تركًا؛ فقد أوضح ابن جني أنه إذا كان الشيء شاذًّا في السماع مطردًا في القياس تحاميت -أي: تجنبت- ما تحامت العرب من ذلك وجريت في نظيره على الواجب في أمثاله.
ومثَّل لذلك بترك استعمال ماضي الفعلين "يذر"، و"يدع"؛ فلا يقال: "وذر" أو "ودع" لترك العرب إياهما استغناء عنهما بـ"ترك"، ولا مانع من استعمال نظيرهما المطِّرد في الاستعمال والقياس كـ"وزن" و"وعد" وإن لم تسمع أنت هذا النظير؛ فالشذوذ في الترك والنطق مقصور على محله لا يتجاوز لغيره.
ذكر السيوطي أنه ليس من شرط المقيس عليه: الكثرة؛ فقد يقاس على القليل لموافقته للقياس، ويمتنع على الكثير لمخالفته له، وما أورده السيوطي هنا منقول عن (الخصائص) ذكره ابن جني تحت عنوان: باب في جواز القياس على ما لا يقل ورفضه فيما هو أكثر.
ومن أمثلة القياس على القليل الموافق للقياس: قولهم في النسب إلى شنوءة: شنأيٌّ، ولم يرد في النسب إلى فعولة غير هذه الكلمة؛ فهي بذلك تعد كل