وقد أشار السيوطي إلى أن البيت إذا رُوي بروايات مختلفة فربما يكون الشاهد في بعض هذه الروايات دون بعضها، ولم يذكر السيوطي مثالًا لذلك، ونذكر هنا ثلاثة أمثلة تدلُّ على أن الشاهد قد يكون في بعض الروايات دون بعضها الآخر:

المثال الأول: ذكر النحويين أن الأصل في "كان" إذا كان معمولاها معرفة ونكرة؛ فالمعرفة هو الاسم، والنكرة هو الخبر، ولا يجوز العكس أي: لا يجوز أن يكون الاسم هو النكرة والخبر هو المعرفة، إلا في ضرورة الشعر، ومنه قول الشاعر:

قفي قبل التفرق يا ضباع ... ولا يك موقف منك الوداع

فاسم يك نكرة وهو موقف، والخبر معرفة وهو الوداع؛ لضرورة الشعر. وفي البيت رواية أخرى وهي:

................................ ... ولا يك موقفي منك الوداع

ولا شاهدَ في البيت على هذه الرواية؛ لأن موقفي معرفة بإضافته إلى الضمير، كما أن الخبر معرفة أيضًا.

والمثال الثاني: اختلف النحويون في تقديم التمييز على عامله المتصرف، فمذهب الكوفيين -واختاره المازني والمبرد- أنه يجوز أن يتقدم التمييز على عامله المتصرف فيقال: نفسًا طابَ زيد، ويستدلون على ذلك بقول الشاعر:

أتهجر ليلى بالفراق حبيبها ... وما كان نفسًا بالفراق تطيب

فنفسًا تمييز، وقد تقدم على عامله المتصرف تطيب، على هذه الرواية، ومذهب البصريين -عدا المبرد-: أنه لا يجوز أن يتقدم التمييز على عامله المتصرف، ويرْوُون هذا البيت برواية أخرى، إذ يقول الزجاج الرواية:

................................. ... وما كان نفسي بالفراق تطيب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015