والمثال الرابع: ذهب جمهور النحويين إلى أنه لا يجوز استعمال أسماء الإشارة موصولات، وخالف في ذلك الفرَّاء وبعض البصريين، فأجازوا استعمالها موصولات مستدلِّين بقول القائل:
عدس ما لعباد عليك إمارة ... نجوت وهذا تحملين طليقُ
فزعموا أن هذا اسم موصول، وأن التقدير: والذي تحملينه طليق. ولا دليل في هذا البيت على جواز استعمال أسماء الإشارة موصولات؛ لأن البيت يحتمل أوجهًا أخرى من التخريج، وهي:
أن يكون اسم الإشارة على أصله، وأن يكون قوله: "تحملين" جملة في موضع الحال، والتقدير: وهذا محمولًا -أي: حالة كونه محمولًا- طليق.
وأن يكون الاسم الموصول محذوفًا للضرورة والتقدير: وهذا الذي تحملين طليق.
وأن يكون قوله تحملين صفة لموصوف محذوف تقديره: وهذا رجل تحملين طليق. وقوله: عدس: اسم لزجر البغل ليسرع.
ومما سبق يتبيَّن أنه لا يجوز الاستدلال بدليل من الأدلة إلا إذا كان نصًّا على القاعدة لا يحتمل توجيهًا آخر.
إن تعدُّد الروايات في البيت الواحد من الظواهر الشائعة في كتب النحو، وهو أثر من آثار الرواية الشفهية، فقد يكون للبيت الواحد روايتان فأكثر، وربما لا يكون لهذا الاختلاف أثرٌ في إثبات القاعدة النحوية أو نفيها، كما في قول الشاعر:
ألا عِمْ صَبَاحًا أيها الطلل البالي ... وهل يعي من كان في العصر الخالي