العلماء، وخالف الزمخشري ومن تبعه فاحتجوا بأشعار المحدثين، وقد استشهد الزمخشري ببيت لأبي تمام عند تفسيره قوله تعالى: {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} (البقرة: 20) فذكر أن الظاهر في الفعل أظلم أن يكون متعديًا، واستدل على تعديته بقراءة "أُظلم" على ما لم يُسمَّ فاعله، وبقول أبي تمام:
هما أظلما حاليّ ثمّ تأجْليَا ... ظلاميهما عن وجهِ أمردَ أشيبا
وحجته -أي: الزمخشري- في ذلك أن أبا تمام ليس كغيره من الشعراء المولدين، بل هو إمام في هذا الفن، عارف بمقاصده الغامضة، فكما أن العلماء كانوا يستشهدون بأبيات الحماسة التي رواها أبو تمام ثقة بروايته؛ فكذلك يجوز عند الزمخشري الاستشهاد بما يقول أبو تمام، وفي ذلك يقول الزمخشري في (الكشاف): "وهو -أي: أبو تمام- وإن كان محدثًا لا يستشهد بشعره في اللغة، فهو من علماء العربية، فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه، ألا ترى إلى قول العلماء الدليل عليه بيت الحماسة، فيقتنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه" انتهى.
ولم يرتضِ جمهور العلماء ما ذهب إليه الزمخشري من التسوية بين ما يقوله أبو تمام وما يرويه، بل ذهبوا إلى التفرقة بينهم وهو الصحيح؛ لأن الرواية مبنية على الضبط والوثوق، والقول مبنيّ على الدراية والإحاطة بأوضاع اللغة وقوانينها، وإتقان الرواية لا يلزم منه إتقان القول؛ لأنه جمع في الحماسة أشعار من يجوز الاستشهاد بأشعارهم، فمن أين يجب أن يكون ما استعمله في شعره مسموعًا ممن يُوثق به، أو مأخوذًا من استعمالهم.
وقد خطأ النحاة واللغويون أبا تمام والمتنبي والبحتري وأضرابهم من الشعراء في أشياء كثيرة، ومما يُضعف ما ذهب إليه الزمخشري أن الإنسان قد يتساهل فيما ينطق به دون ما ينقله إذا كان عدلًا، وأنه لو فُتح هذا الباب؛ لجاز الاحتجاج